* قرار إغلاق المحلات التجارية طبقاً للتوصيف الصادر من مجلس الشورى، أحدثت نوعاً من اللغط والحوارات والأخذ والرد.. خصوصاً وأن القرار أو المقترح يقول إن الإغلاق سيكون عند العاشرة مساءً في الشتاء وعند الحادية عشرة صيفاً.. وكانت ردود الفعل مختلفة بين مرحبين وأظنهم قلائل ، وبين منكرين وأعتقد أنهم الأكثرية .. أما أنا شخصياً فقد عجبت للقرار الذي جاء - فيما أظن- بدون مستند علمي من الميدان، وبدون حيثيات قائمة بذاتها تكون جداراً صلباً لقرار كهذا. * في الغالب فإن القرارات التي يراها بعض النخب من الناس ، تكون غير مقبولة لدى الشريحة الأكبر من الناس إن هي جاءت تصطدم مع اتجاهاتهم ورغباتهم ومصالحهم وما يهوونه.. ولحل هذه الإشكالية كان من المفروض - في ظني- وفي قرار الإغلاق هذا تحديداً الذي اقترحه مجلس الشورى، أن لو طلب المجلس من جهة علمية متخصصة أن تقوم بمسح ميداني لعدة شرائح من المجتمع , وعبر استبانات مصممة بعناية لاستطلاع آراء من يعنيهم الأمر من التجار، والمواطنين ، والوافدين ، والشباب ، وكبار السن والنساء وغيرهم ، حتى يمكن قياس رأي الناس حول المقترح قبل أن يتحول إلى قرار، فيأتي غير متصادم مع ما تريده الشريحة الأكبر. * إن نظرة سريعة للقرار من رجل الشارع العادي ، تشير دون شك إلى أنه قرار غير موفق، لأن الإغلاق عند العاشرة مساء في الشتاء هو توقيت مبكر، وكذلك عند الحادية عشرة مساء في الصيف.. وكان من المناسب أن يكون الموعد هو الثانية عشرة ليلاً كحل وسط.. وبذلك يكون القرار أكثر قبولاً، وعلى طريقة "لا ضرر ولا ضرار".. هذا إذا تم تجاوز عمل استبيانات لمعرفة آراء الناس حوله وما الذي يناسبهم ، وما هي المبررات الوجيهة لاتخاذه في ساعة معينة بالتحديد كل مساء. * وخلاصة القول أن الإغلاق المبكر للمحلات التجارية وقبل منتصف الليل، وخصوصاً المحلات الكبيرة أمر يتعارض مع مصلحة التجار والزبائن معاً، ولو تم تحديد منتصف الليل مثلاً لكان ذلك أجدى وأقرب إلى المنطق والعقل والمصلحة ، وبالتالي صار للقرار وجاهة أكثر ، وقبولاً أوسع في أوساط أكبر شرائح المجتمع.. * الذي لم أجده تماماً في بنود القرار هو "قصور الأفراح" فقد غابت هذه المنشآت أو المؤسسات التجارية عن بنود القرار ولم أجد لها أثراً، مع أنها مهمة جداً ، وهي من بين ما يتطلع الناس إلى أن تكون مشمولة بالقرار، خصوصاً وقد استساغ الناس في عدد من المدن الكبيرة وأولها جدة أن يمتدوا بوقت أفراحهم إلى عمق الليل ، بل لعل عدداً منهم يصل إلى مشارف الفجر، وهو ما يضيق على الناس ، ويدعو إلى تذمرهم ، وإلحاق العنت بهم ، وقد كان من المناسب جداً أن تبدأ هذه القرارات بقصور الأفراح ، فتخبط إيقاع فترة امتدادها العشوائية إلى قاع الليل ، وتلجم انفلات وقتها إلى حيث تضيع المصالح . * وفي الجملة فإن القرار من حيث كونه ضابطاً لإيقاع حركة الناس والمجتمع ، إنما هو قرار سليم جداً ، خصوصاً وقد تحول الليل عند كثير من الناس إلى نهار، والنهار إلى ليل ، وهذا مخالف للفطرة وناموس الحياة الصحيح ، فإن الليل لم يخلق إلا ليكون لباساً وسكناً وهدوء.. ولم يخلق النهار إلا ليكون معاشاً وحركة وحيوية.. ثم إن السائد في كل البلدان الحضارية أن تنام مبكرة وتصحو مبكرة ، في نظام صارم ودقيق يضبط حركة الحياة ، ويوجه مسيرتها.. أما عندما تتداخل الأمور، ويتحول معظم الليل إلى نشاط في الأمور المقبولة وغير المقبولة ، فإن هذا مدعاة إلى تنامي السلبيات وزيادة المشكلات ، وتفويت المصالح ، وهدر الأوقات.. وأقصد بذلك وقت البكور الذي لا تكون البركة إلا في ظلاله . * ولعلنا من خلال التجربة قد وجدنا أن فترة العمل من طلوع الشمس وحتى صلاة الظهر، هي واحدة من أفضل أوقات المعاش ، لكل من أراد أن يسعى في مناكب الأرض ، ويبحث عن الرزق ، ويسعى إلى قضاء حوائجه .. ومع ذلك فلا بأس أن يكون النهار بكامله حيوية ، ثم إلى وقت منتصف الليل لأصحاب الحاجات الطارئة .. أما أن يزيد عن نصف الليل فإن هذا ما لا يتصور عاقل في ظني.. وبذلك يكون من المناسب أكثر لو تمت مراجعة القرار بالسماح لعدد من المحلات الكبيرة على الأقل ، وقصور الأفراح خصوصاً بالعمل إلى نصف الليل فقط ، ثم لا بأس في التدرج في القرار تخفيضا إلى ما قبل نصف الليل بساعة بعد سنوات من الآن ، خصوصاً والفكرة تحمل مضامين تربوية وقيمية وسلوكية وحضارية. [email protected]