لم استطع أن اعزل نفسي عن "درس غزة" الأليم الذي سيطر على كياني وكل المسلمين في بقاع الأرض وهم يتابعون لحظة بلحظة هذه المجزرة البشرية التي ترتكبها اسرائيل كنوع من ارهاب الدولة.. ضد الآمنين والمستضعفين من الشيوخ والأطفال والأبرياء تحت سمع وبصر العالم المتقدم الذي تثور ثورته اذا فقد واحداً فقط من أبنائه .. ولكن عندما يتابع هذه المئات من الشهداء الذين يسقطون يومياً وبينهم اطفال رضع فإنه لا يُحرك ساكناً ويتحدثون عن التراشق فوق المستوطنات الاسرائيلية بصواريخ محلية الصنع.. في حرب قذرة.. غير متكافئة تقوم بها آلة الحرب الاسرائيلية ضد المدنيين العُزل الذين احتموا بالمساجد والمدارس الدولية ومع ذلك طالتهم يد الغدر للقوات الاسرائيلية والتي تدعي أنها حققت انتصاراً (وما هو بانتصار) بل نوع من الخزي والعار لأنها لا تحارب جيشاً بل تحارب آمنين مدنيين في المدارس والمستشفيات وفي منازلهم التي دكتها فوق رؤوسهم دكاً في حالة من العنصرية البغيضة الممقوتة. لقد كشفت "حرب غزة" الكثير من المواقف.. فهناك من يحاول استغلال القضية الفلسطينية ويحاربون بالحناجر.. ومن تحت الجدران ومن خلف الابواب المغلقة ولم يقدموا للقضية الفلسطينية شيئاً، وهناك التلاحم الحي واليقظ لدى الكثيرين والذين خرجوا ليعبروا عن سخطهم على العدو الاسرائيلي الذي يمارس سطوته تحت سمع وبصر وحماية "الفيتو الأمريكي". لقد أحسن العرب وهم يتحركون كفريق جماعي يقودهم الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى نيويورك ليعرضوا القضية على مجلس الأمن الدولي..وكانت أصوات الأمير سعود الفيصل واحمد أبو الغيط والوزير الليبي والفلسطيني ومعهم عمرو موسى خير ما يجول في قلوب العرب هم يسارعون الخطى باللحظة والدقيقة وهناك من يحاول ابطاء المهمة وتأخيرها حتى تنتهي القوات الاسرائيلية من مهمتها القذرة التي تقوم بها في غزة. التحرك العربي مُقدر وندعو الله أن يكلل بالنجاح ويتمكن المجتمعون في نيويورك من الوصول إلى قرار بوقف اطلاق النار واعطاء فرصة لهدنة تصل فيها المساعدات لأهالي غزة المحاصرين الذين فقدوا الأهل والدار والمال والعتاد وأصبحت الشوارع مأوى لهم.. لقد هزتني واعتصرت ألماً وهماً من جراء الصور البشعة التي نقلتها بعض الفضائيات لأناس فقدوا كل عائلاتهم في لحظة غدر آثمة. بقي أن نقول إنه في ظل النفق المظلم يأتي فرج الله - وأكتب - هذا المقال وأنا صائم في أيام عاشوراء وأقول أن فرج الله قريب لقد تابعت بعض القنوات الفضائية الاسلامية التي غيرت برامجها بالكامل لكي تتحدث عن "حرب غزة" وجاءت بالدعاة والعلماء لكي يدعوا لهؤلاء الأبطال الذين يواجهون دبابات اسرائيل بصدورهم وبأسلحة خفيفة تقليدية لا ترقى أبداً لآلة الحرب الاسرائيلية المزودة بأحدث ترسانة حربية أمريكية وأوروبية. لقد تابعت أروع صور الصمود والغزة والآباء من جرحى قطعت أرجلهم وفقدوا اجزاء من اجسامهم وهم صامدون كالجبال صابرون يتلقون العلاج في مستشفيات المملكة ومصر والأردن وليبيا وهم جميعاً بروح معنوية عالية وشموخ مؤمنين بقدر الله وقضائه وبعضهم مستعدون للعودة إلى غزة للتصدي إلى العدو الاسرائيلي.. درس غزة الجريحة يجعلنا نتساءل هل من الممكن أن يحدث سلام حقيقي بين العرب واسرائيل في يوم من الأيام اشك كثيراً في ذلك.