لسنا بحاجة إلى تقديم دليل على أن العاصمة السعودية "الرياض" تعاني من أزمة مرورية خانقة ، فكلنا يعاني في الذهاب إلى عمله صباحاً ، والعودة إلى منزله ، وأصبح جميعنا يعرف طرقاً بعينها يتجنب السير فيها في أوقات محددة ، بل ويعتبر اضطراره لذلك سبباً في تأخيره عن موعد الدوام الرسمي ، وهو صادق في ذلك إلى حد كبير . ولسنا بحاجة إلى أن نقول إن استمرار هذه الأزمة دون حلول لا يهدد فقط بإهدار الوقت ، بل يهدد بتباطؤ في معدلات النمو والإنتاج ، فالموظف أو العامل الذي يستهلك جزءاً كبيراً من طاقته ، وتركيزه ، وانتباهه في الطريق إلى عمله ، لا يستطيع مهما اجتهد أن يؤدي بنفس معدل زميله الذي لا يعاني من أزمة الاختناق المروري . وعندما نحاول أن نقف على أسباب هذه الأزمة ، لا نستطيع بحال أن نلوم الأجهزة الحكومية المعنية بالمرور وحدها ، والتي تبذل جهداً لتسيير الحركة ، وخاصة في أوقات الذروة .. ولا ندعي أن كل طرقنا وشوارعنا ليست ملائمة ، فكثير منها بحالة جيدة ، إذن ماهو السبب في هذه الأزمة التي نعانيها صباحاً ومساءً ؟ وهل ثمة حلول لمعالجتها ؟ إن محاولة الإجابة على هذا السؤال لا تقل صعوبة عن صعوبة المرور بوسط الرياض الساعة الثامنة صباحاً ، لكنها تضعنا أمام مجموعة حقائق ، أهمها أن عدد سكان الرياض قد تجاوز الخمسة ملايين من المواطنين والمقيمين ، وأن شبكة الطرق التي كانت تخدم سكان المدينة قبل عقدين من الزمن لم تعد منطقياً قادرة على خدمة هذا العدد الكبير من السيارات ، والشاحنات ، وباصات المدارس ، وغيرها !! ولا ننكر الجهود الكبيرة التي تبذلها الأجهزة الحكومية في تحسين ، وتطوير شبكة الطرق ، والارتقاء بكفاءتها ، وتنفيذ عدد كبير من مشروعات الكباري ، والأنفاق ، في مواضع الاختناق المروري .. ولا نغفل الجهد الخارق لرجال المرور في محاولة ضبط الحركة المرورية ، إلا أن ذلك ليس حلاً للأزمة ، ولا يمكن أن يكون حلاً ، فالأمر يظل بحاجة إلى التفكير في حلول غير تقليدية ، وأن يتم تنفيذها في أسرع وقت ، لأنه كلما تأخر الحل ، ازدادت الأزمة تعقيداً ، وأول هذه الحلول المقترحة ، هو زيادة وسائل النقل الجماعي .. فإذا كان "50" مواطناً ومقيماً يذهبون إلى أعمالهم في "50" سيارة ، فإنه من البديهي أن يتسبب ذلك في ازدحام كبير لا يقارن بما يمكن أن يسببه وجود باص واحد يتولى نقل نفس العدد تقريباً .. شريطة أن يكون هذا الباص صالحاً للاستخدام الآدمي ، وليس مثل الباصات الحالية التي تعرقل المرور بأعطالها المفاجئة ، وتكرار توقفها دون ضابط !! وثمة حل آخر ، وهو دراسة مواعيد الدوام في المصالح ، والوزارات ، والهيئات الحكومية ، والقطاع الخاص ، والمدارس .. بحيث يكون هناك مسافة زمنية بين كل من هذه المصالح والشركات ، تسمح بانسيابية المرور ، ولا تحمل الطرق والشوارع مالا تحتمل، وحبذا لو كان موعد الدوام في الهيئات الحكومية أكثر تبكيراً في الصباح ، وبالتالي في موعد الخروج من العمل . وهناك حل آخر ، يرتبط بالمواطن السعودي نفسه ، يبدأ بإعادة التفكير في سلوكياتنا ، وأنماط حياتنا، فرب الأسرة يذهب إلى عمله في سيارته الخاصة، وكذلك الأبناء يذهبون إلى جامعاتهم في سيارات خاصة بهم ، وربما البنات والأم كذلك .. فتتسبب أسرة واحدة في حشر الشارع بخمس سيارات في وقت واحد ، في حين بالإمكان تقليص هذا العدد إلى سيارة واحدة أو اثنتين ، لو تطوع الأب بتوصيل أفراد الأسرة إلى مدارسهم وجامعاتهم ، واستيقظ مبكراً ساعة أو أقل عن موعده . وتبقى سلوك سائقي السيارات من المواطنين أو المقيمين ، هو الحل الأصعب للأزمة المرورية ، فلا انضباط بالتعليمات إلا متى ظهرت سيارة الرقيب ، وكثيراً ما كانت هذه السلوكيات ، وما ينجم عنها من حوادث ، سبباً في عرقلة السير لساعة أو أكثر ، في انتظار سيارة المرور ، والتي يتعذر وصولها لموقع الحادث لنفس السبب . وأخيراً .. نتساءل عما نسمع عنه من استخدام التقنيات الحديثة في مراقبة حركة السير ، وفك الاختناق .. ولماذا لا نلمس آثارها ؟! alomari 1420 @ yahoo . com