الزلابية أو لقمة القاضي أو اللقيمات أو العوامة أو المشبك .. كلها اسم لمعنى واحد وهي نوع من الحلويات العربية المعروفة .. والبعض يسميها "دونات العرب" فكلنا يعرفها وقد أولع بها البعض منذ الصغر فكنا نجلس ونرقب أهلنا بالبيت حين يقومون بإعدادها في الصباح باكراً أو قبيل المغيب وننظر لها في الزيت تأخذ أشكالاً عديدة يُخيل إلينا وقتها أنها صور لفرس أو طائر أو خلافه .. وأخرى مدورة في حجم الكُرة الصغيرة .. ثم يرش عليها السكر المسحون أو "الشيرة" أو العسل .. لقد أولع بالزلابية كثير من الناس حتى بعض الشعراء فها هو "بن الرومي " ذلك الشاعر المتميز صاحب المرثية المعروفة في أحد أبنائه أذكر منها الأبيات التالية : بُكاؤكما يَشفي وإن كان لا يُجدي فجودا فقد أودى نظيرُكُما عندي بُنيَّ الذي أهدَتهُ كفّاي للثرى فيا عزة المُهدَى ويا حسرة المَهدي وأولادنا مثل الجوارح أيها فقدناه كان الفاجعَ البَيِّنَ الفَقد لكلّ مكانٌ لا يَسُدُّ اختلالَهُ مكانُ أخيه في جَزوعٍ ولا جَلد هل العينُ بعد السمع تكفي مكانَهُ أم السمعُ بعد العين يهدي كما تَهدي؟ تراه هنا في جانب آخر من حياته يصف الزلابية من شدة ولعه وحبه لها،بل ويصف حتى صانعها فيقول : رأيته سَحراً يقلي زلابيته في رِقّة القِشر والتجويف كالقصب يلقي العَجين لُجينا من أنامله فيستحيل شبابيكا من الذهب أما سبب تسميتها بالزلابية فيرجع البعض ذلك إلى قصة طريفة وهي أن أحد المشتغلين بصناعة الحلويات قام بعجن كمية كبيرة من عجين الزلابية في قدر ثم ذهب إلى قضاء أمر ما .. ثم نسيها حتى الصباح وعندما تذكرها جاء يجري ويقول : زل بي .. زل بي فعندما دخل وجدها قد فاضت وملأت محله عجينا فقال: فعلاَ زل بي .. فسميت بعدها " زلابية". ولعل من الطرائف التي تناقلها الناس هو المثل الشعبي المعروف "هانت الزلابية حتى أكلها بنو وائل " ولا أدري لما نسب لبني وائل ربما لأنها شاعت بين جماعة منهم مؤخراً , وإلا فهم قوم عزة ومن القبائل العريقة فمنهم الشاعر الجاهلي "عمرو بن كلثوم " صاحب المعلقة الشهيرة التي يقول فيها: ونشربُ إن وردنا الماءَ فواًًويشربُ غيرنا كَدراًً وطيناً إِذَا بَلَغَ الفِطَامَ لَنَا صَبِيٌّ تَخِرُّ لَهُ الجَبَابِرُ سَاجِديْنَ غير أن لي تفسير مختلف توصلت إليه بعد تجربة شخصية ،حيث واجهت موقفا طريفاً مع الزلابية والفأر .. فقد دعاني ذات يوم أحد الأصدقاء باكراً لتناول طعام الإفطار عندهم وذلك عقب صلاة الفجر بالمسجد الحرام بمكة المكرمة أعزها الله ، على أن أعود معه قبل صلاة الجمعة لأداء الصلاة ، فأجبته وذهبت على أمل أن أستريح قليلاً خصوصاً إنني لم أنم ليلة البارحة حيث كنت في مناسبة وتأخرت .. وبعدها ذهبت للحرم لانتظار صلاة الفجر حيث التقيت بصديقي هذا .. وبعد أن وصلنا قدّم لي براد الشاي حيث كانت تفوح منه رائحة النعناع وحوله طبق كبير الحجم ملئ بالزلابية الحارة ، فاختلطت رائحة الزلابية مع رائحة النعناع من براد الشاي إضافة إلى طبق صغير به سكر ناعم .. فقمت لأغسل يديّ وأستعد لتناول الشاي مع الزلابية .. فقلت لصديقي من باب المجاملة " وليتني ما قلتها": ما شاء الله هذا الصالون واسع وفسيح وبه مكتبة كبيرة حافة بكتب كثيرة وأنا معجب بها "وقد كان ذلك بسب حبه للقراءة ولطبيعة عمله أيضاً" فقاطعني: الحقيقة من ناحبة الصالون والمكتبة فهذا صحيح .. لكنني تعبان جداً وأعاني كثيراً من الفأر الذي يشق طريقه من هنا.. وقام في هدوء يشير بيده إلى مسار الفأر الصحيح قائلاً : من هنا يمر فوق هذه الكتب ومن تحت المكتبة مروراً بهذا السرير ثم السرير الذي يحازيه "والذي كنت أجلس عليه" ثم مروراً بالكنب بالجهة الأخرى وحتى الركن الأخير من الصالون .. ولم يكتفِ بذلك بل استطرد قائلاً : وقد يعاود الكَرّة والكرتين بحسب مزاجه ولم نستطع أن نمسك به ، فكلما نجحنا في واحد فاجأنا آخر وهكذا .. وبعد أن صمت برهة وأنا أنظر مشدوهاً إليه قال لي : عموماً لا تشغل بالك و أتركك الآن تفضل كُل واشرب واسترح وقبل صلاة الظهر سوف أوقظك لنذهب للصلاة بإذن الله .. وذهب وتركني حائراً أترقب .. أنظر تارة للشاي وأخرى للزلابية بجمالها الذهبي وإغرائها.. وأحسست بالجوع لكن تملكني الخوف الشديد من وصف صديقي هذا لمسار الفار وعناده .. حيث إن سريري يقع في خط مسار الفأر .. فما عادت لي رغبة في الزلابية أو الشاي أو النوم، كما إنني إذا نمت وجاء الفار فربما أكل الزلابية وطاش بالسكر وبراد الشاي .. فماذا يكون موقفي؟ .. فبقيت متيقظاً أترقب الفأر .. مُردداً في نفسي كلام صديقي: مسار الفأر من هنا ومن هذا السرير الذي يحازيه...الخ..أخيراً قمت على الفور وأخذت ورقة من على مكتبته وكتبت له رسالة قلت فيها: صديقي العزيز: يبدو أن فأرتك وأخواتها لم يشبعو من مكتبتك .. أما أنا فتركت لهم الصالون والزلابية مُكرها بعدما سمعت حركتها وأصواتها في نواحي المكتبة وقد رضيت من "الزلابية" بالهروب .. غير أنني أدركت الآن المعني الحقيقي للمثل الشائع : "هانت الزلابية حتى أكلها الفأر" .. والسلام عليكم .. والآن عزيزي القارئ هل ستحذو حذوي وتهرب بجلدك إن كنت في موقفي؟ أم ستقاوم بشدة عروض الفأر من أجل طعم ونكهة الزلابية الساخنة مع الشاي ؟ [email protected]