مداخل القرصنة الصحفية من حيث هي كثيرة جدا وقد ساعد الانفتاح الكبير على تشعبها حتى كاد الناقد المتخصص أن يضيع فيها مما جعل التائهين يعودون إلى السلوك الفعلي الذى نظمه السابقون وليس عيبا إن اعترفنا بهذا الواقع المرير للتشخيص العلاجي على أن لانمضى قدما نحو الهاوية ولم يكتف من سبقنا فى هذا المضمار على ذلك بل ميزوا بين تصريف الحروف وتقنينها وعرفوا كيف ينطق الحرف من داخل المعنى وهذا مافقدناه حاليا وجعل أبواب القرصنة لاتتوقف عند جرح النص وتعديله أوحتى نسخ معظمه نهاراً جهاراً إما بحجة الاستناد و التعديل كما قلنا أو تباعا لجريان القرصنة الحديثه ولو ذهب صاحبه فى خبر كان وهناك من ذهب إلى ابعد من ذلك وخلط بين التناص والإبداع فى الأسلوب وقد كان لي شرحا وافيا فى مواضيع سابقه عن التناص ولا ضير أن نجتر منه المأمول هنا حتى نكشف الغموض بين السرقة الأدبية وعلى وجه الخصوص الصحفية وبين ذاك الموضوع الضخم الذى يعتكف تحت عباءة التناص ومن هنا نلفت الانتباه لمن غابت عنه تلك الحيل الشيطانية التى غرسها شياطين القرصنة فى رحم الإبداع باسم التناص. والتناص كما عرفه خبراء الهيكل اللفظي فى اى أسلوب ينقسم إلى قسمين جوهريين الأول: النص الصريح المختزن فى الذاكرة. والثاني: النص الذى تم تحويره فى المعنى لكنه لايزال يحتفظ بملامحه الأساسية.. هذه هي القضية التى فتحت للقراصنة أبواب الحيل ولم يكتفوا بحالة أو حالات محدودة بل تعمدوا فى إغراق الساحة الأدبية بالمسروقات للتمييع والتوهان إمام الصرخات المتتالية ومن هنا يجب على أصحاب العقول النيرة التمييز أولا واكتشاف النصوص الصحيحة من الزائفة ولو جاءت تحت اى مسمى ولا يذهب المدقق بعيدا فيما أقول فالشبه الذى يتجرعه التناص بعيدا كل البعد عن الناسخ والمنسوخ وأيضا لانبيح لكل من ولج باب هذه القضية من الخلف أن يصدر أحكاما على نصوص إبداعيه بأنها ضرب من ضروب السرقات حتى لانحارب الكفاءات الشابة التى سلكت هذه المنابع بل على الضالع فى فحولة الأساليب اللغوية إنارة الطريق لها وعلينا أن لانرمى الفشل والنجاح فى هذه القضية على أبواب الفراسة لأنك أمام قضية واقعية إذا تساوى العدد فيها برز المضمون الجيد. وللشرح المختصر أقول قصة للتوضيح اختزنها الفكر عندي فى حبائل اللاشعور عندما كنت اهتم بالبحور الشعرية بعثت لي فتاة بمعظم منتوجها الذى تراه إبداعا وهنا عانقني التناص يوم ذهبت بملفي الذى يحتوى بداخله معظم منتوجى الشعري الذى كنت أيضا أراه إبداعا لشاعرنا الكبير الأستاذ هاشم رشيد يرحمه الله وانظروا الفرق الفعلي لهذا التناص عندما قرأ الأستاذ هاشم بعضاً مما قدمته إليه لم يفاجئني إلا بابتسامة رقيقة ثم طرح الملف جانبا واخذ ورقة بيضاء وكتب لي مبدأ من مبادئ قواعد الشعر ولم يسمه من اى بحر وقال استغل موهبتكم وحصيلتك اللفظية التى أرى ضخامتها من هذا المنتوج ومتى ما أتقنت القصائد الشعرية وفق هذه القاعدة ليكن لقاءنا القادم فى باب آخر من أبواب الشعر وقد لايتصور القارئ الكريم أن هذا التصرف الحكيم دفعني وبقوة نحو معرفة فحولة وضعف الشعر العربي وحتى العامودى منه والشعر الحر لم ادعه ونفس المسلك اتبعته مع هذه الفتاة بشيء من التطوير كتبسيط القاعدة والمنهج للعمل الابداعى حتى ولو خرج عن المألوف الحسي وإلا كيف يصبح إبداعا. وهناك مألوف غير الإتباع فى التناص العملي والقولى كقصة أو طرفة أو اى شيء فى الإبداع صنعها المبدع أو اى مبدع آخر من سنين متقدمة طال أمدها أم قصر وجاء من تحصل عليها بجذورها الأساسية ليضيفها إلى عمل ابداعى وهنا لايستقيم الأمر لديه إلا بحالتين الأولى عليه أن يطور أسلوب التناص مع الأسلوب الراهن للعمل والثاني : العفوية فى أخذ التناص المجبور من هذه الجملة فى التركيب الكامل للعمل الفني الابداعى ومتى ما قبلت الأذن الموسيقية المتخصصة ذلك دل هذا على نجاح العملية لكن هناك شروط تحكم التوسع فى التناص حتى لايكون سرقة يضيق المجال لذكرها وأجمل عمليات التناص وابلغها التى تأتى من المؤلف ذاته ولو توسع الناسخ فى التناص عليه ذكر المصدر حتى لو تأخر العمل من جراء البحث والتنقيب وينتقل العمل من إبداعا إلى بحثا متسلسلا ويطلق على صاحبه مؤلف نصوص وليس مؤلفا فقط حتى لايختلط الحابل بالنابل بين المبدع ومؤلف النصوص سواء بالنسخ أو حتى بالإبداع فى تأليف النصوص وذلك باستخدام التناص الضعيف فى مجمل العمل وقبل الوداع نعترف بأننا لم نفى الموضوع حقه لأن جذوره واسعة واكتفينا بهذه الخيوط الرفيعة لايفوتنا أن ننوه على ضرورة الرقابة الفعلية من ذوى الاختصاص لاستقامة الأوضاع وحفظ الحقوق ولايتم ذلك إلا بالملاحقة القانونية لمن يخالف أو يحتال على القارئ والمجتمع بنصوص إما هزيلة لسوء صياغة تركيبها أو أنها مسروقة وليت العقوبة تكون بالغة وتدخل جميع القضايا وخاصة تلك المعلقة التى لايزال أصحابها يئنون من سطو الآخرين عليها. المدينةالمنورة : ص.ب:2949 Madenah-monawara.com