لم يك محمود درويش الشاعر يملك سلاحاً في وجه عدو حرمه أن يحيا في وطنه كما يريد، إلاّ ان يحشو بنادقه بالرياحين، وان يطوق اعناق الحمام رمز السلام بأوسمة العائدين، كان شاعرنا مناضلاً من نوع فريد، يعشق السلام ويكره الغدر، يذوب رقة لام يخشى عليها بموته ان تذرف الدموع حسرة على فراقه، يضم دوماً في القرب والبعد فلسطين قلبه المتعب، ويناضل بكل ما اوتي من قوة موجة الحقد والكراهية، ما ظن يوماً ان في موطنه الجريح من لا يريضيه يوم رحيله إلا ان ينصب نفسه الهاً يحرمه الرحمة ويتوعده بالعذاب . والعالم كله يحزن لرحيل شاعر انسان، ما عرف الحقد والكراهية طريقاً الى قلبه قط، قاد اشرف نضال وحمل انقى الكلمات، حينما اسرف الآخرون في سبك الكلام الذي ينز قبحاً وصديداً، ويؤدي الى مزيد من حلكة ظلام تخيم على كل شيء في حياتنا، النصر بعيد عنا وقلوبنا لا تحمل سوى الضغينة لا للعدو ولكن لبعضنا، لك الله يا محمود في يوم عرسك تجلى لنا الحال الذي انكرناه زمناً طويلاً خجلاً من انفسنا، ونحن نقتتل لنفسح للعدو زمناً يقهرنا بالمزيد من ظلمه . اشتغلنا بكل شيء سوى ان ننهض بمسؤولية النضال، عبثاً نحاول الحصول على الحقوق بفتوى، وبدعوى لابينة لها سوى قول مدع فقه لم يحسن الاستدلال على ما يظنه احكاماً قط، اشتعلت يا محمود برحيلك المفاجئ العواطف، فلم يبق في عالمك العربي احد الاّ وشارك بكل مافي قلبه من عاطفة نحو فلسطين، ليلبسك رداء النضال الانساني المفعم بالمحبة إلاّ قوم صناعتهم الحقد، لا يحترفون في حياتهم غيره . اعتقد أنهم وحدهم نواب عن الله يمنحون من شاءوا تذكرة مرور الى الجنة، ويحرمون اخرين منها كما يرغبون، شذت عباراتهم في يوم الوداع لتذكرنا ان بيننا من يجب ان يطهروا انفسهم من فيروس الحقد والكراهية الفتاك الذي تسلل اليها واستولى عليها، وما لم يطهروا انفسهم من هذا الشر فلن يكونوا كما يدعون اوفياء للجهاد والنضال، اليوم تودعك يا محمود الأمة كلها وأنت قيمة ثقافية باهرة في حياتها، ورمز نضال زرع على صفحاتها لا يمحوه ابداً اعتراض قميء من اقزام لا تعلن الافراح إلا زمن احزان الأمة، رحيلك شاعرنا جمعنا على ما ناضلت من اجله، فقد توجهت قلوبنا نحو رام الله تتابع عرسك وانت تعود الى الوطن لتبقى فيه الى الابد . ص . ب : 35485 جدة 21488 فاكس 6407043