'اتصل من اي خط ارضي على 0900 او من اي محمول على رقم كذا' اصبحت هذه العبارة القاسم المشترك في حملة اعلانية ضخمة تهيمن على برامج القنوات الفضائية الخاصة في مصر، في مواجهة اشتداد المنافسة وتعاظم تكاليف الانتاج. ويشكو كثير من المشاهدين من ان الفواصل الاعلانية اصبحت اطول من البرامج الحوارية او المواد الدرامية التي تبث خلالها، ما يجعل بعض القنوات تبدو وكأنها قنوات اعلانية تبث بعض البرامج. وكثيرا ما يضطر مقدمو برامج الى الاعتذار للضيوف عن كثرة الفواصل الاعلانية في برامجهم قائلين 'معليش اصل الاعلانات دي اللي بتدفع لنا مرتباتنا'. ويقول الخبير الاعلاني محمد سرور ان 'كعكة اعلانات الاتصالات الهاتفية اصبحت تمثل مصدرا اساسيا لتمويل بعض الفضائيات، حتى ان مالك قناة فضائية مصرية كانت تبث فيديو كليبات توصف بالخلاعة، قرر تحويلها الى قناة دينية مؤخرا ليستفيد من الارباح الهائلة لظاهرة الفتوى كول او الحصول على الفتاوى بالتليفون على مدار الساعة'. ويضيف 'لا توجد احصائية دقيقة لحجم ميزانية الاعلانات الهاتفية، الا انها لا تقل عن ملياري جنيه 'نحو اربعمائة الف دولار' في العام الماضي، واتوقع تضخم هذه الميزانية في العام الحالي بعد ان رفع قمر النايل سات تكلفة البث الى نحو ثلاثمائة وخمسين الف دولار. وتكلف المكالمات عادة بين جنيه الى ثلاثة جنيهات للدقيقة الواحدة، وتبقى الخطوط مفتوحة على مدار الساعة، الى جانب خدمة الرسائل النصية التي تستخدم في بعض القنوات. والى جانب شكاوى المشاهدين، يعتبر اخصائيون نفسيون ان حملة اتصل من رقم كذا لتتحقق كل احلامك وتحل كل مشاكلك ليست سوى حملة للنصب يجب ان تحكمها القوانين، باعتبار انها تبيع الوهم للناس في الثراء السريع، وهي بذلك تبعث برسالة سلبية الى الشباب بصفة خاصة جوهرها التواكل والركون الى الحظ بدلا من الدعوة الى الجد والاجتهاد لتحقيق الانجازات'. ويقول الدكتور محمد عشماوي'يتعرض المواطن المصري الي ضغط ثقافي ومطاردة اعلامية من نوع غريب بسسب فيض من الإعلانات المسفة والتافهة منها ما يروج لمنشطات جنسية أو أدوات رياضية للتخسيس أو مستحضرات مستوردة لا تخضع لاي رقابة'. ويضيف' اثبتت الابحاث الاجتماعية والنفسية الاثار السلبية لمثل هذه الإعلانات الاغراقية على الاطفال من الناحية المعرفية والسلوكية مما يلقي باعباء نفسية واقتصادية على الاسرة باكملها'. ويشير الى ان ابتزاز غرائز المشاهدين وعقيدتهم وافتقارهم الى الوعي هو القاسم المشترك في هذه الهجمة الاعلامية. والى جانب الفتاوى يمكنك الحصول على تفسير الاحلام بالاتصال بالشيخ فلان على مدار الساعة، ويمكنك الحصول على عروس بالاتصال وترك المواصفات المطلوبة، ولحل مشاكلك النفسية تحدث مع الاستاذ فلان، او اترك له رسالة وسيعاود الاتصال بك. ويقول الشيخ اسماعيل الحسن وهو من علماء الازهر انه يمكن للشيخ ان يحصل على مقابل مادي معقول يكفي لاعاشته اذا كان متفرغا للعمل في مجال الفتاوى، الا ان تقديم الفتوى واجب حتى بدون مقابل، ولا يجب ان يتحول الامر الى تجارة كما هو الحال في الفضائيات. اما باب المسابقات فيشمل انواعا عديدة منها دينية وتاريخية ورياضية وحتى للاطفال. وتدل سهولة الاسئلة بوضوح على ان الهدف ليس الحث على المعرفة او البحث بل استدراج اكبر عدد ممكن من الاتصالات الهاتفية، وبالتالي الربح. ومن الاعلانات التي حققت جماهيرية مؤخرا حملة بطله 'الأستاذ وديع' وهو يقدم لمنتج سينمائي قنبلة الموسم مدام رشا والتي وقفت أمام الجمهور وهي تعرض مفاتنها فيصرخ المنتج بصيحته الشهيرة والتي أصبحت رنة للكثير من الهواتف المحمولة (أيوة كدة ياوديييييييييييييييييييع). وتقول شيرين عصام (23سنة): 'كل ما أفتح التلفزيون وأقلب في القنوات ألاقي إعلانات سخيفة وممللة ونفس الإعلانات بتتكرر على كل القنوات بقت حاجة تخنق'. ويقول أحمد راضي (34سنة): 'نفسي أشوف إعلان هادف أفهم منه شي مفيد وبصراحة كدة الإعلانات كلها بقت مستفزة وسخيفة'. وتقول هدى محمود (ربة منزل): أنا بصراحة كرهت التلفزيون من كتر الإعلانات غير الأخلاقية الموجودة فيه الموضوع بقى خطر على ولادنا ولازم نبعدهم عنه. ويقول أحد المسئولين في قناة فضائية شهيرة :والله اللي مش عاجبه إعلاناتنا يمسك الريموت كنترول ويغير القناة بس أنا شخصيًا ما أنصحهوش بكدة لأنه هيلاقي نفس الإعلانات...وهو حر بقى'. لقد اصبح عالم اعلانات اعلانات، يشكو كثيرون، فهل من تنظيم لهذه الفوضى ام ان الحكومة لا تتدخل الا ضد القنوات المحترمة لقمعها؟ ويتساءلون هل من مجيب؟