أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم، المسلمين بتقوى الله عز وجل، والعمل على طاعته واجتناب نواهيه. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها، اليوم: إن الله جعل لأمة الإسلام في كتابه العزيز وسنة رسوله ما تشتبك به صلاة أهل الإسلام وتستوثق عُراهم؛ ليكونوا من جهة المثال أكفاء أبيهم آدم وأمهم حواء، فلا يفخر أحد على أحد، ولا يفرق بين أبيض ولا أسود ولا عربي ولا أعجمي إلا بمقدار ما يحمله في نفسه من تقوى الله الذي جعلها معيار الفضل والكرامة، وأن أنسابهم وألوانهم ولغاتهم منطلق تعارف كما قال جل شأنه {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. وأضاف: التعصب تَعَارُف يدفع التناكر، وتآلف يدفع التخالف، إنه لم يجعلكم شعوبًا وقبائل ليبغي بعضهم على بعض ولا ليُذيق بعضهم بأس بعض، ولا ليلعن بعضهم بعضًا، ولم يجعل لغاتهم سببًا في اجتماعهم، ولا ألوانهم ولا أراضيهم؛ وإنما جعَل لهم دينًا يجمعهم ولا يفرّقهم ويصلحهم ولا يُفسدهم، وينفي العصبية عنهم، كما ينفي الكير خبث الحديد؛ إلا أن ثمة أقوامًا يفسرون الأمور وفق ما يريدون لا وفق حقيقتها، والتعصب يولّد في نفس صاحبه احتقار مَن ليس في فلكه ولا هو من لونه ونسبه، وكفى بذلكم إثمًا مبينًا وشرًّا مستطيرًا. وأردف: التعصب يفتك بصاحبه فتكًا حتى يجعل صدره ضيقًا حرجًا لا يرى معه إلا نفسه ومن كان في دائرة عصبيته؛ بخلاف السماحة التي تجعل صدر صاحبها دوحة واسعة الظل ينعم بظلها كل أخ له في الدين مهما كان بينهما من فروق اجتماعية أو اختلاف تنوع لا تضاد فيه ولا يبتر الأصول الجامعة بينهما تحت راية الدين العادلة، كما أنه ما من متعصب إلا كان رائده الهوى، والهوى يُعمي ويصم، وما رؤي متعصب قط عُرف بالعدل والإنصاف ولا متعصب متحلٍّ بالحلم والأناة ولا متعصب وسطي؛ وإنما المتعصب إمعة مقلد عاصب عينيه خلف هواه ومن هو معجب به، وهو دون ريب داء مُعدٍ ونتاج عدواة أصابت المتعصب بالاضطراب تجاه الصواب؛ فيرى القذاة في عين أخيه ولا يرى الجذع المعترض في عينه، ويعيب على غيره ما هو واقع في أسوأ منه. إنه ما من امرئ إلا لديه نقص من وجه مهما بلغ في علمه وجاهه ونَسَبه ومذهبه، وكثيرون ممن يتجاهلون نقصهم يجعلون دونه ستار التعصب ليُخفوا من ورائه ما لا يريدون محله إلا الكمال الزائف. وتابع: التعصب طاقة مهدرة وجهد مضاعف تم بذله في غاية غير حميدة، وهو لوثة عقلية تنسج خيوطًا من أوهام التميز المغشوش الناجم عن شعور باختصاص لا يدانى وعظمة لا تجارى وانتفاخة هر يحاكي بها المتعصب صولة الأسد الهصور، وتلك -لعَمر الله- خيوط رقيقة يتمسك بها المتعصب كمثل خيوط العنكبوت التي اتخذت منها بيتًا، وإذا استحضرنا ذلكم كله؛ فلنعلم أنه لم يأتِ التعصب بلفظه ومعناه في الكتاب والسنة إلا على وجه الذم، وأنه ضرب من الطبائع الجاهلية التي لا تستوي ومكارم الإسلام ومصالحه؛ فقد قال الله جل شأنه: {إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية}، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فمن تَعَصّب لأهل بلدته أو مذهبه أو طريقته أو قرابته أو لأصدقائه دون غيرهم كانت فيه شعبة من الجاهلية؛ حتى يكون المؤمنون كما أمرهم الله تعالى معتصمين بحبله وكتابه وسنة رسوله؛ فإن كتابهم واحد ودينهم واحد ونبيهم واحد وربهم إله واحد، لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون، وقال أيضًا: (كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة فهو عزاء الجاهلية). وقال "الشريم": ما أقبح العصبية وما أكثر ضحاياها، فكم من قتيل هلك تحت راية عبية، وكم من أسرة تفرقت بسببها وكم من مفارق للجماعة احترق بنارها، وإذا كان في لقاء المتحاربين قاتل ومقتول؛ فإن المتعصبين المتقابلين كلاهما مقتول، نعم كلاهما مقتول بسلاح التعصب المميت، والحق أن العقل الواسع لا يقابل التعصب الضيق؛ فالعقل الواسع لا ينحني أمام ريح التعصب ولا يغرف في مائه، بدليل قوله تعالى {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا}. وأضاف: النبي صلى الله عليه وسلم، أكد ذلكم بما أرشد به أمته، وبدأهم فيه بنفسه، ليقتدوا به وفيه الأسوة والقدوة؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم (لا تُطروني كما أطرت النصارى ابن مريم؛ إنما أنا عبد فقولوا عبدالله ورسوله) رواه البخاري. وشدد على أن التعصب باب شر على العباد؛ فإذا فتح تعسر إغلاقه وهو مذموم غير محمود وإن كان المرء لا بد فاعلًا؛ فليكن تعصبه لمكارم الأخلاق وجميل الخصال والعض عليها بالنواجذ؛ فذلكم التعصب الذي لا يُذَم والتمسك الذي يُغبَط عليه صاحبه.