أمير تبوك يستقبل القنصل العام لجمهورية أفغانستان لدى المملكة    أمير تبوك يستقبل المواطن ناصر العسيري الذي تنازل عن قاتل شقيقه    محافظ أضم يدشن فعاليات أسبوع البيئة تحت شعار "بيئتنا كنز"    جامعة أم القُرى تفوز بالمركز الأول في هاكاثون الذَّكاء الاصطناعي    رئيس مجلس الشورى القطري يصل الرياض    محافظ الطائف يطلق ملتقى أفهموني لدعم أطفال وأسر التوحد    بوتين يبدي استعداده لدراسة مقترح زيلينسكي لوقف الهجمات على المواقع المدنية    بنزيمة يكشف سر التوقف عن تنفيذ ركلات الجزاء    الغنام : "الأمن السيبراني" ضرورة لحماية منظوماتنا ومجتمعاتنا من التهديدات المتجددة    نائب وزير الخارجية يستقبل مساعد وزير الخارجية مدير عام إدارة الشرق الأوسط وأفريقيا بوزارة خارجية اليابان    أمير منطقة جازان يشرّف حفل أهالي فرسان    تعليم الشرقية يحقق مراكز متقدمة في ملتقى "الربيع" التدريبي 2025    أبطال الرياضات القتالية في السعودية متحمسون للموسم الثاني في جدة    رئيس وزراء جمهورية الهند يصل جدة في زيارة دولة للمملكة    بلدية محافظة عقلة الصقور تشارك في فعاليات اليوم الخليجي للمدن الصحية    الرئيس العام للهيئات يلتقي منسوبي فرع المدينة المنورة    قطاع ومستشفى النماص يُنفّذ فعالية "يوم الصحة العالمي"    قوميز: مواجهة الرياض "نهائي جديد".. ونركز على التفاصيل والخروج بأفضل نتيجة    الداخلية: تطبيق غرامة مالية تصل إلى (50.000) ريال بحق الوافد الذي يتأخر عن المغادرة عقب انتهاء صلاحية تأشيرة الدخول الممنوحة له    رئيس جمهورية المالديف يستقبل إمام الحرم النبوي    بنزيما يحظى بإشادة عالمية بعد فوز الاتحاد على الاتفاق    تمكين الأوقاف تحتفي بتخريج الدفعة الأولى من الزمالة المهنية في الأوقاف    انعقاد الملتقى السعودي الصيني لتعزيز التعاون والتبادل الأكاديمي في التعليم العالي ببكين    ارتفاع النفط إلى 66.62 دولارًا للبرميل    انطلاق منافسات ختامية مسابقة القرآن الوزارية بتنافس مائة طالب وطالبة بمكة اليوم    امطار خفيفة على اجزاء من الرياض والشرقية    الذهب يتجاوز 3400 دولار للأوقية    مُحافظ وادي الدواسر يفتتح دراسة مساعدي مفوضي تنمية القيادات    رأس الاجتماع الدوري للجنة السلامة المرورية بالمنطقة.. أمير الشرقية: القيادة الرشيدة حريصة على رفع مستوى الأمان على الطرق    "فلكية جدة": لا صحة لظهور الوجه المبتسم بسماء السعودية    الأمن العام يحذر: الرسائل المجهولة بداية سرقة    رائد فضاء يعود في يوم عيده ال70 إلى الأرض    النصر والأهلي ضيفان على ضمك والوحدة    انطلاق معرض الصقور والصيد السعودي في أكتوبر المقبل    إطلاق مبادرات مشتركة لخدمة المجتمع وترسيخ القيم.. الثقافة توقع اتفاقية مع "تيك توك" لتطوير مهارات المواهب    بعد وفاته.. حكم قضائي ضد حلمي بكر لصالح طبيب شهير    إعلاميون ل"البلاد": الأهلي مؤهل للتتويج ب" نخبة آسيا" بشروط!!    برشلونة يستضيف مايوركا في بروفة قبل الكلاسيكو    تناقش التحديات الاقتصادية العالمية.. وزير المالية يرأس وفد المملكة في اجتماعات الربيع    ظاهرة الكرم المصور    تجربة تنموية مميزة ودعم لاستقرار الاقتصاد العالمي.. السعودية والهند.. شراكة اقتصادية إستراتيجية وفرص واعدة للاستثمار    فوائد    فرص الابتعاث الثقافي في قطاع السينما    ميغان ماركل متهمة بالسرقة الفكرية    الأمير بندر بن سعود: دعم القيادة للتعليم صنع نموذجاً يُحتذى به عالمياً    أمير تبوك يستقبل رئيس وأعضاء جمعية الوقاية من الجريمة (أمان ) بالمنطقة    هل ينتهك ChatGPT خصوصية المستخدمين    تهديدات تحاصر محطة الفضاء الدولية    "تعليم الطائف" تحتفي باليوم العالمي للغة الصينية    فوائد اليوغا لمفاصل الركبة    قطاع ومستشفى البرك يُنفّذ فعالية "خطورة استخدام المضادات الحيوية"    قطاع ومستشفى بلّسمر يُنظّم فعالية "اليوم العالمي لشلل الرعاش"    محميات العلا.. ريادة بيئية    الهلال الأحمر: فتح التطوع لموسم الحج    ساعة الصفاة    مركز الدرعية لفنون المستقبل يفتتح معرضه الثاني "مَكْنَنَة"    "تمكين الأوقاف" تحتفي بتخريج دفعة الزمالة المهنية    أمير الرياض يضع حجر الأساس لمشروعات تعليمية في جامعة الفيصل بتكلفة تتجاوز 500 مليون ريال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطيب المسجد الحرام: تلمَّسوا الخيرَ والبركة مع كبار السن
نشر في أزد يوم 16 - 03 - 2018

- استهلَّ إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي خطبته قائلاً: أمة الإسلام، تتقلب بالإنسان مراحل حياته، فمن ضعف في المهد، لا يملك لنفسه حولاً ولا قوة، إلى أن يشتد عوده ويبلغ أشده، ثم ما هي إلا سنون وأعوام قليلة، حتى يصير إلى الضعف مرة أخرى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾.
لقد كان نبينا، صلى الله عليه وسلم، يوصي بالرحمة بالضعفاء، صغاراً وكباراً، أطفالاً وشيوخاً، ويحثّ على ذلك بقوله وفعله، ففي سنن الترمذي بسند صحيح، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (ابْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ، فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ).
قال أهلُ العلم: أي: اطلُبُوا محبَّتِي وقُربِي ورِضايَ في ضُعفائِكم، وتفقَّدُوا أحوالَهم، واعتَنُوا بهم، واحفَظُوا حُقوقَهم، واجبُرُوا قلوبَهم، وأحسِنُوا إليهم قولاً وفعلاً، ومن مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم بالضعفاء: رحمته بالصغار، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، قَالَ: «كَانَ إِبْرَاهِيمُ مُسْتَرْضِعًا لَهُ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ، فَكَانَ يَنْطَلِقُ وَنَحْنُ مَعَهُ فَيَدْخُلُ الْبَيْتَ، فَيَأْخُذُهُ فَيُقَبِّلُهُ ثُمَّ يَرْجِعُ» رواه مسلم.
وفي صحيح البخاري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لرجلٍ كان لا يُقبِّل أولاده: (أَوَ أَمْلِكُ لَكَ، أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ).
فكان صلى الله عليه وسلم يهتم بالصبيان: يخالطهم ويمازحهم، ويسأل عن أحوالهم ويراعي مشاعرهم، فعن أنس ابن مالك رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: (يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ)، نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ، فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلاَةَ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا، فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ، فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ، ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ، فَيُصَلِّي بِنَا) رواه البخاري.
وكان بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم رفيقاً بهم، يراعي طفولتهم، وحاجتهم إلى اللعب، فيؤدب ولا يثرّب، ويذكر ولا يوبخ، ففي صحيح مسلم، قَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: (( كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا أَذْهَبُ، وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي، قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: "يَا أُنَيْسُ، أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ؟" قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللهِ.
وأردف المعيقلي قائلاً: أمة الإسلام وكما أمر صلى الله عليه وسلم بالرحمة والعطف على الصغير، أمر كذلك باحترام الكبير وتوقيره، وحسن رعايته وإجلاله، فعن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قال: جَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبْطَأَ القَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا". رواه الترمذي بسند صحيح، أي: ليس على هدينا وطريقتنا، من لا يعطف ويرفق بصغيرنا، ولا يجل ويوقر كبير السن فينا، فيقدمه على غيره من الناس؛ لشيبته في الإسلام، وتقدم سنه وضعفه، وفي شعب الإيمان، بشَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ يرحم الصغير ويوقِّر الكبيرَ، بمرافقتِهِ فِي الجنةِ، فعَنْ أنَسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَنَسُ، وَقِّرِ الْكَبِيرَ وَارْحَمِ الصَّغِيرَ، تُرَافِقُنِي فِي الْجَنَّةِ".
فيا معاشر المؤمنين: كيف لا نجلّ كبير السن فينا، ورَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:(إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ، إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ). رواه أبو داود بإسناد حسن، كيف لا نوقر كبيرنا، ورسولنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:(الْبَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ). رواه ابن حبان في صحيحه.
وأضاف فضيلته: "يا من تبحثون عن الخير والبركة في حياتكم، تلمسوها مع كبار السن فيكم، إنها بركة البر والإحسان، والرأي والمشورة، والمجالسة والمؤانسة"، و يا كبار السن: رحم الله ضعفكم، وجبر كسركم، وضاعف حسناتكم، فأنتم الذين قدّمتم وضحيتم، وربيتم وعلمتم، ولئن نُسِيَ فَضلُكُم، فإن الله لا ينسى، ولئن جُحِدَ مَعرُوفُكُمْ، فإن البر لا يبلى، ثم إلى ربكم المنتهى، وعنده سبحانه تجدون الجزاء الأوفى، والجزاء من جنس العمل، فمن أكرم ذا شيبة مسلم، أطال الله في عمره، وقيض له من يحسن له في كبره، ففي سنن الترمذي، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ، إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ).
وأشار المعيقلي: أن من حق كبار السن علينا، إكرامَهم وتوقيرَهم، وتزيينَ صدورِ المجالس بهم، ومناداتِهم بأحب الأسماء إليهم، والبشاشةَ في وجوههم، والعفوَ والصفحَ عن زلاتِهم وهفواتِهم، وذكرَ محاسنهم وأعمالهم، فهم أشدُّ ما يكونون رغبة في الحديث عن ماضيهم وإنجازاتهم.
وهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم، على جلالة قدره، يعلمنا كيف يكون إجلالُ الكبير وتوقيرُه، ومؤانستُه وملاطفتُه، ففي مسند الإمام أحمد، جَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِأَبِيهِ أَبِي قُحَافَةَ، إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، يَحْمِلُهُ حَتَّى وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ:(لَوْ أَقْرَرْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ، لَأَتَيْنَاهُ)، ثم دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم للإسلام فأسلم.
وفي الشمائل للترمذي، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَعِنْدِي عَجُوزٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ الْعَجُوزُ؟ "، فَقُلْتُ: مِنْ خَالَاتِي، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ، فَقَالَ:( يَا أُمَّ فُلَانٍ، إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ)، فَوَلَّتْ تَبْكِي، فَقَالَ: (أَخْبِرُوهَا أَنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا وَهِيَ عَجُوزٌ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً* فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا).
ولا شك معاشر المؤمنين، أن كبر السن، مظنة السآمة والتعب، والوهن وضعف الجسد، وما يكون نتيجة لذلك، من قلة الصبر وحدة اللسان، ومع ذلك، فقد كان صلى الله عليه وسلم يُداريهم، ويعطف عليهم، ويُعطيهم ويُسلِّيهم، كلُّ هذا لأجل شيبتهم في الإسلام، وسنِّهم وضعفهم.
وبين فضيلته أن رعاية كبار السن، والقيام على مصالحهم وشؤونهم، من أعظم القرب، وأجَلِّ الوسائل لتفريج الكرب، وتيسير كل أمر عسير، وخاصة إذا كان كبير السن أبا أو أما، كما في الصحيحين من قصة النفر الثلاثة، الذين آوَاهم المبيت إلى غارٍ، فدخلوا فيه فانحدرت عليهم صخرة، فسدت عليهم الغار، فتوسل كل واحد منهم بصالح أعماله، فكانت وسيلة أحدهم، قيامه بهذا الحق العظيم، حق رعاية أبويه الشيخين الكبيرين، فكان سببا في نيل مطلبه وتفريج كربته.
بل إن السعي على الأبوين، الشيخين الكبيرين، ميدان من ميادين الجهاد في سبيل الله، ففي معجم الطبراني: عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ جَلَدِهِ ونَشَاطِهِ مَا أَعْجَبَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يَعِفُّها فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وتَفَاخُرًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَان).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾.
واستهل المعيقلي خطبته الثانية قائلاً: معاشر المؤمنين إن الفسحة في العمر، نعمة عظيمة، يَمُنُّ الله بها على من شاء من عباده، فاستثمروا يا عباد الله، هذه النعمة فيما يرضي ربكم، ويعلي منزلتكم، واستدركوا ما فات، بالاستعداد لما هو آت، فليس فيما بقي من العمر، أطول مما فات، ولنجعل مسك ختام العمر طاعة،من ذكر وصلاة وصيام، وصدقة واستغفار، فإنما الأعمال بالخواتيم، ومن عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعث عليه.
وقد يدرك العبد بطول العمر مع حسن العمل، أعظم من درجة المجاهد في سبيل الله، ففي مسند الإمام أحمد، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلَيْنِ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ إِسْلامُهُمَا جَمِيعًا، وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْ صَاحِبِهِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَكَثَ الْآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ، قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، كَأَنِّي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، إِذَا أَنَا بِهِمَا، وَقَدْ خَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الجَنَّةِ، فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الْآخِرَ مِنْهُمَا، ثُمَّ خَرَجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ رَجَعَا إِلَيَّ فَقَالا لِي: ارْجِعْ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ، فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ، فَعَجِبُوا لِذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا كَانَ أَشَدَّ اجْتِهَادًا ثُمَّ اسْتُشْهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَدَخَلَ هَذَا الْجَنَّةَ قَبْلَهُ، فَقَالَ: (أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟) قَالُوا: بَلَى، قال: (وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ؟) قَالُوا: بَلَى، قال: (وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا سَجْدَةً فِي السَّنَةِ؟) قَالُوا: بَلَى، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَلَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ).
فهنيئا لمن طال عمره وحسن عمله، ويا خسارة من أمد الله له في عمره، ورزقه عافية في جسده، ثم لا يكون عمله في رضى ربه، فعن بْنِ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ، قَالَ: (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ)، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ ). رواه الترمذي بسند صحيح.
فنسأل الله تعالى، بفضله وكرمه، وجوده ومنته، أن يمنَّ علينا بطُول العمر وحُسن، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.