رجلٌ ترك زوجتهُ وأولا*دهُ مِن أجلِ وطنه قاصداً أرض معركة تدور رحاها علىَ أطراف البلا*د، وبعد انتهاء الحرب وأثناء طريق العودة أُخبر الرجل أن زوجتهُ مرضت بالجدري في غيابهِ فتشوه وجهها كثيراً جرّاء ذلك، تلقى الرجل الخبرَ بصمتٍ وحزنٍ عميقينِ شديدينِ.. وفي اليوم التالي شاهدهُ رفاقهُ مغمض العينين فرثوا لحالهِ وعلموا حينها أنهُ لم يعد يبصر، رافقوه إلى منزله وأكمل بعد ذلكَ حياتهُ مع زوجتهُ وأولا*دهُ بشكلٍ طبيعي وبعد ما يقاربَ خمسةَ عشرَ سنةٍ توفيت زوجتهُ. حينها تفاجأ كلّ من حولهُ بأنهُ عادَ مبصراً بشكلٍ طبيعي، أدركوا أنهُ أغمضَ عينيهِ طيلة تلكَ الفترة كي لا* يجرح مشاعر زوجتِه عند رؤيتُه لها، تلك الإ*غماضة لم تكن من أجل الوقوفِ على صورةٍ جميلةٍ للزوجة، وبالتالي تثبيتها في الذاكرةِ والا*تكاء عليها كلما لزمَ الأ*مر، لكنها من المحافظةِ على سلا*مة العلا*قة الزوجية حتى لو كَلّفَ ذلك أن نعمي عيوننا لفترةٍ طويلة خاصة بعد نقصان عنصر الجمال المادي ذاك المَعبر المفروض إلى الجمال الروحي. وفشل كثير من العلاقات الزوجية هي بعدم التغاضي عن أخطاء الآخر، وقد نحتاج في أحيان كثيرة أن نغمض أعيننا عن من نحب في هفواته وزلاته من أجل سعادتنا وسعادة من نحب.. في كل الأحوال وغيرها قد ترى من الطرف الآ*خر خطأ أو ملا*حظه، وقد تسمع منه كلمة تعاب ولا* تنبغي، فحينها أقول لك "أغمض عينيك" وتغافل عما رأيت أو سمعت، ومن لم يغمض عينه عن صديقه وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب. ترويقة: ربما تكونُ تلك القصة من النوادر أو حتى من محض الخيال!! لكنْ هل منّا من أغمض عينهُ قليلا*ً عنْ عيوبَ الآخرين وأخطائهم كي لا* يجرح مشاعرهمْ؟ هل سمعتم عن خلق من أهم أنواع الأ*خلا*ق وهو خلق التغافل؟؟ فخلق التغافل ان لم يكن فيك لن تكسب صديق وستخسر الأصدقاء، فلابد أن تغمض عينيك وأنت جالس مع صديقك وأثناء حوارك مع أخيك، ومع زوجتك تتناول وجبة الغداء. ومضة: خلق التغافل الذي هو من أجمل الأ*خلا*ق وأرفع المبادئ، وهو من العفو غير الصريح وفي التنزيل قال تعالى: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}، وهذا الخلق يزيد من محبتنا لبعضنا البعض و يزيد من محبة الله لنا ومحبتنا له.