يقيناً ينبغي أن يبقى لدى كل منَّا ما حيينا على وجه هذه الأرض، إيماناً بأنها ليست بدار قرار، ولا محل الرضا التَّام، لذا فكل إنسان يعتقد أنه أشقى من غيره أو أنه مبتلى أكثر من غيره.. وحين تتأمل في أحوال الناس حولك تلحظ التفاوت بين البشر، فأحدهم يسكن قصراً وذاك أقل منه، وهذا نال حظاً وافراً من الجمال وغيره ليس مثله، والآخر ترأس منصباً، ولكن في النهاية كلنا متشابهون في الابتلاءات. يتقدم صاحبك في الدراسة ويتخرج وأنت تتأخر عن التخرج! يتزوج فلان الأصغر منك سناً وأنت لم تتزوج بعد! تذهب لقضاء معاملة فتنجز بسرعة وتتأخر أوراقهم! تبدأ العلاج فتتقدم في الشفاء وآخر يتأخر شفاؤه!. من يملك الصحة قد لا يملك المال، ومن يملك المال قد لا يملك الذرية، ومن يملك الذرية قد لا يرزق برهم، ومن رزق برهم قد عاش يتيماً، ومن عاش في حضن والديه قد لا يرزق حياة زوجية مستقرة. في الحياة الزوجية نفسها، قد يكون زوجك حنوناً ولكنه شديد العصبية، وقد يكون كريماً ولكن قلبه تسكنه أكثر من إمرأة، وإن كان خلوقاً قد يكون فقيراً.. لذلك نحن متشابهون في الإبتلاءات والأرزاق، ولكننا نختلف في الرضا بقضاء الله وقدره، لذا احمد ربك على كل تفاصيل حياتك، فالميزان في الآخرة وبيدك إستغلال هذه التفاصيل لزيادة كفة الخير على الشر.. والرضا ليست كلمة تُقال ذات سعة، بل شيءٌ ما يستقرُّ في القلب، فنتقبَّل كل ما يحدث لنا وحولنا بثبَات الجبال، إيماناً بان ما أصابنا لم يكن ليُخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليُصيبنا، وأن قَدر الله واقعٌ لا مَحالة، وفي كل أمر خير قد لا نُدركه في حينه، فالله هو المقدم وهو المؤخر لحكم عظيمة تخفى عن البشر.. ترويقة: لا تحزن ولا تيأس إن تأخر رزقك فالله قد يكون أخر الرزق لكنه قدم لك نعم عظيمة لا تعد ولا تحصى، تأمل في حياتك، تأخيراتك وتقديماتك وتيقن إن الأمر به حكمه والخير واللطف: ﴿اللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾.. والتفاضل بين الخلق سنة إلهية، قال الله تعالى: (ولئن شكرتم لأزيدنكم).. فالحمدلله دائماً وأبداً. ومضة: قال الشاعر: سَتَخْضَرُّ الدُرُوبُ إذا رَضِينَا ويَنْبُتُ في يَبَابِ العُمْرِ زَهْرَا ونَحْيَا بَعْدَ كُرْبَتِنَا رَبِيْعَا كَأنْ لَمْ نَذُقْ بالأمْسِ مُرَّا