أسطورة هذا الزمن، شخصية كما وصفها المحبون لها( لن تتكرر) ليس لأنها قريبة لنا؛ إنما لما تحمله من صفات الماضي الجميل في هذا الزمن العجيب. إنها عمتي، وشقيقة والدي الوحيدة هياء بنت حمد السلمان عاشت حياتها يتيمة، وكان لهذا أثر بالغ في تكوين شخصية تحنو على كل من تقابله. يقال إن فاقد الشيء لا يعطيه، وهذه مقولة لا، ولن تنطبق على عمتي؛ لأنها فقدت الكثير بيتمها، لكنها أعطت الكثير والكثير بعد أن بلغت رشدها، مواقفها مع الناس تشهد بذلك، وقد ورد في الحديث الصحيح: ( الملائكةُ شهداءُ اللهِ في السَّماءِ ، و أنتُم شهداءُ اللهِ في الأرضِ) فكم والله من المواقف مع الرجال والنساء والأطفال، تشهد لها بوقفات من البذل والعطاء، والرحمة والدعاء.. أما الدعاء، فدعاء عمتي لكل من يقابلها دعاء مميز، الجميع يشهد لها بذلك، حتى الذين لا تعرفهم ولا يعرفونها ممن تقابلهم في الأماكن العامة. دعاؤها الطويل، المسجوع وغير المتكلف، كان يلفت نظري وسمعي وسمع كل من يقابلها. تدعو للأحياء والأموات، وتدعو لمن فقد شياء من الدنيا من مال ورزق وزوج وعافية، تدعو بالثبات على الحق، وتحقيق الأمنيات، تدعو بكل خير لكل من تقابلهم، ومما يميز دعاءها ربطه بمن يحققه وهو الله عزّ وجلّ، وكأنها تدعو لنفسها. الآن، ولأول مرة سأتجرد من كوني أحبها، وكونها شقيقة والدي الوحيدة، وكونها بقية والدي، وذكراه العاطرة في حياتي، لأتحدث عنها كشخصية تمثل قدوة لكل من يعرفها: كانت-رحمها الله-تحب الخير للجميع، وأكبر دليل على ذلك أنها تسأل عن الجميع أقارب أو معارف أو جيران( تسأل عنهم بأسمائهم) وتسأل عن أحوالهم( نعم، أحوالهم الخاصة التي أطلعوها عليها) فلانة عساها رزقت الولد، وفلان عساه توظف وفلان كيف صحته، تسأل عن الصغير والكبير بأسمائهم. تحضر مناسباتهم على اختلافها. عجيبة هي عمتي-رحمها الله-في تذكر أسماء الآخرين، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الجميع احتل مكانةً في قلبها. وحين يذكر الصبر، تذكر عمتي.. مواقفها في الصبر على اليتم، وصعوبة العيش في القرية، من أعجب المواقف( وقد لا يتسع المقام لها الآن) وهذا يذكرنا أن من شب على شيء شاب عليه. فاللهم اجعل صبرها ظفرًا بالفردوس من الجنة. صبر اليتم وفقدان الوالدة -خصوصًا - أمرٌ قد لا يتحمله أي أحد، وقد لا نجد أثره في حياة أي أحد، لكن عمتي-رحمها الله- ضربت أروع المثل في الصبر، إنه الصبر على فقدانها أعزّ وأبر أبنائها بها، ابنها الذي كان يحمل غالب صفاتها من الحب للآخرين وتقديم العون والمساعدة لهم، والكرم والعطاء لكل من يقابله، ممن يعرفه أو لا يعرفه.. رحمهما الله وجمعهما في الفردوس من الجنة. لا تنسوا عمتي من صالح دعائكم؛ فهي بالنسبة لي بقايا عطر أبي الذي لا يُنسى.. دفنت الآن في هذه اللحظات، وهي أحوج ما تكون لدعائنا جميعًا. فاللهم ثبتها عند السؤال، وأبدلها دارًا خيرًا من دارها، وأهلًا خيرًا من أهلها، اللهم آمين..