✒أطرح هذا المصطلح ( الفراغ التنموي) بِناء على نقاش حيوي جميل بنّاء من/ ومع زملائي الدكاترة في طلعة الأحدية من رواد جامعة القصيم .. حيث دار النقاش العلمي الجاد في إشكالية نسبة القبول في الجامعات؛ وأن شبابنا خريجي الثانويات يتوجهون إلى التعليم الجامعي بأعداد كبيرة دون أن يتجهوا لأسواق العمل !! وأن هذا الكم الكبير من المتجهين للجامعة فيهم نسبة ليس من المفيد تنمويا ولا علميا أن يتجهوا إلى أروقة الجامعات !! من الزملاء من يرى أهمية توجههم للجامعة لأن ذلك أفضل من كونهم يبقون عاطلين دون أي علم أو عمل!! ومنهم من يرى أهمية أن نخلق لهم أجواء تعينهم على الدخول إلى السوق لأنه ليس كل شاب يناسب أن يدخل جو الجامعة لأن لديه من المهارات ما يمكنه من دخول السوق أفضل من اكماله للتعليم .. وعليه قد يكون عبئا عليه أكثر من استفادته منه !! ( و لا يخفى المعنيين بالتعليم الجامعي الأثر على جودة التعليم من الأعداد المتزايدة والتعاطي معها)!! تعددت أوجه المناقشة والحوار الثري .. وتناول الزملاء قصصا لشبابنا الذين أبدعوا في دخول السوق في أسنان مبكرة وبنوا ثرواتهم بسبب مبادرتهم لذلك ..( وفي القصيم ظاهرة رائدة تستحق الدراسة هنا وهي جائزة الشاب العاصمي التي تبناها سمو أمير منطقة القصيم د فيصل بن مشعل لدعم توجه الشباب لسوق العمل .. وتحفيزهم لذلك). السوق السعودي فيه من الفرص ما لا حد له ولا عد .. والأجنبي يشغل نسبة ملفتة في كثير من المهن والحرف وأبواب الرزق .. التي حسب ما ذكره أحد الزملاء تشكل نسبا عالية وفق بيانات رسمية أكيدة حيث إن مجالات التقنية والاتصالات تشكل ما يزيد على ( مائة أو اكثر) والعقار والإنشاءات تزيد نسبها بشكل اكبر وأخطر ( النسب الرسمية موجودة ومعلومة). وغيرها من مجالات العمل. هذه البيانات بقدر ما هي ( مقلقة) بقدر ماهي فرصة .. بل فرص كي تطرح عدة تساؤلات في هذا الذي أسميه ( الفراغ التنموي) = (إذ تتوفر المجالات الهائلة للعمل ولا تتوفر لها الأيد العاملة الوطنية ) من أبناء الوطن .. وهذا هو التحليل العلمي لمفهوم ( الفراغ التنموي) !! واسمحوا لي أن أقول بأن هذا الوضع يشكل ( معضلة تنموية كبرى)!! ويحتاج إلى ورش عمل على أعلى المستويات للخروج بحلول عملية وليس توصيات نظرية تستجيب فقط لشغفنا في التنظير والتعبير دون التوجه لعرض حلول عملية تتناسب وحجم هذه الظاهرة الاجتماعية ( المقلقة) في مجتمعنا. ( إلى هنا أكتفي بتشخيص أصل إشكالية الفراغ التنموي).. لكنني هنا أحاول أن أتطارح معكم شيئا من (التحليل) و (التعليل) وجوانب (التأهيل) التي نحتاجها لتقليص هذا الفراغ إلى أكبر درجة ممكنة حتى يتكامل البناء التنموي اجتماعيا واقتصاديا .. بل وثقافيا من أجل أن يدفع بعضه بعضا ليسير بشكل تلقائي دون حاجة لكثير من الأنظمة التي تكاثرت علينا. دعوني أقول أولا: بأن ثقافتنا السائدة لا تساعد الشاب ذكرا أو أنثى إلى أن تخلق لديه هذا التوجه ( أقصد التربية على العمل ) من بواكير عمره .. فكمية الرعاية التي يحظى بها لا تجعل لديه ما (يجبره ويخبره) عن فرص التجارة والعمل وآفاق النجاح التي يمكن أن يحققها فيما لو توجه لذلك. ثقافتنا حتى العامية تقول له ماذا تريد أن تكون ( وفي تصورنا) حينما يتخرج* من الجامعة ؟ وحينما نفكر في أسئلة الزواج هل لديه ( وثيقة جامعية)؟ .. ونحن آباء وأمهات هكذا نحن فكرتنا العامة أن يواصل أولادنا تعليمهم الجامعي !! ثانيا لازال تعلقنا بالعمل الحكومي هو الأكثر حضورا في ذهنيتنا الاجتماعية!! و ثالثا .. هناك إشكالية وزارية في أن أبواب الجامعة مفتوحة للجميع دون فرز لمن يناسب مما لا يناسب !! ليس تقليلا من قدرات شبابنا ولكن توجيها لها بما يخدم شخصياتهم من جهة ومستقبل تنميتها* من جهة أخرى!! وللجميع أن يعلم بأن دول التنمية الصناعية لا يدخل مراحل الجامعة فيها إلا ما يقرب من ثلاثين بالمائة من الخريجين أو أقل !! ونحن ربما يزيد القبول لدينا عن ثمانين بالمائة !! وهم يدفعون مالا حتى يتعلمون .. ونحن يدفع المال لنا حتى نتعلم.!! رابعا .. الخلل التنموي هنا ( وهو معضلة كبرى)* هو أن القنوات الجاذبة للشباب بعد المرحلة الثانوية قليلة جدا (أو نادرة) حيث لا يوجد استقطاب لهم يدفعهم للتفكير بمسارات أخرى غير ( التعلم الجامعي) !! بكل تأكيد بأن أبواب السوق (مشرعة) ومشروعة.. لكن مفاتيحها ( مغلقة) لأسباب لا تخفى المتخصصين في ذلك .. سواء في سيطرة العمالة الأجنبية على عدد من المهن او في ضعف رغبة الشباب في التوجه للسوق باكرا ( كما ذكرنا) أو في هيكلية السوق وشبكاته. ومع الاعتراف والتقدير بأن هناك جهودا للجهات المسؤولة في معالجة نسب التوطين وقرارات تصب في صالح ذلك من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية ووزارة التجارة والاستثمار ووزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان وجهود إمارات المناطق لكن الأمر يحتاج إلى مزيد إصلاح وخطط تنفيذية تنموية جذابة للعقول الشابة حتى تستجيب إلى مقولة ( دلوني على سوق المدينة) ( لا أبواب الجامعة !!). السؤال العملي الكبير ( أنا شاب تخرجت من المرحلة الثانوية) ماهي الفرص المتاحة لي ( غير الجامعية والكليات التقنية والعسكرية؟) الجواب بكل مكاشفة وصراحة ( مقلق)!! حتى الكليات التقنية يتخرج الشاب منها إلى ( العراء) دون تبن له ودعم لمشروع صغير يكتسب منه. كنت اريد أن أتوقف هنا ؟ لكن سياقات هذه المعضلة وتفرعاتها وأبعادها وأهميتها لم تسمح بذلك. لماذا؟ *لأننا نتحدث عن هيكلة اجتماعية خطيرة على استدامة التنمية. أن يكون السوق التنموي فارغا إلى حد كبير من القوة الوطنية الشابة فهذا يشبه ( تقلص) الطبقة الوسطى في المجتمع. وهذا خطر باذخ على استقرار المجتمع وأمنه وتنميته .. والذي يعني أن المجتمع إما غني أو فقير. ويعد علماء الاجتماع هذا الوضع بأنه نذير خطر لأمن المستقبل. فكلما زادت الطبقة الوسطى وقلت العليا والدنيا ( ماديا طبعا) .. كان ذلك مؤشرا على صحة المجتمع وسلامته واتزان سيره وتنميته. (إذا .. فراغ المجتمع من الطبقة الوسيطة هو بالضبط كفراغ السوق من الطبقة الشابة). *هذا هو ما أسميه با ( الفراغ التنموي).* .. ليس حلا وحيدا هنا ولكنه محل تفكير في الإجابة على تساؤل ( أين تذهب بعد مرحلة الثانوية) مع أن من الزملاء من يرى أن الشاب من الأفضل له أن يستمر في تعليمه الجامعي حفاظا على وقته .. وكونه في مقاعد التعليم أفضل من كونه في مقاعد أخرى!! اليوم نحن بحاجة إلى مسارات تقنية مهنية حرفية تسويقية تفتح في المراحل الثانوية( أي في مناهجها) ويقوم عليها متخصصون لا أساتذة عامون!! ويتم النزول بالشباب إلى الميدان لتعليمهم وتعريفهم بفرص العمل. هذه خطوة لتهيأة العقليات الشابة في فرص العمل وأدواته. وخطوة أخرى أن تكون هناك دبلومات وسيطة من سنتين لا أكثر مخصصة لاحتياجات السوق الوسيطة والمتجددة. ليس فقط يستكمل الشباب فيها تعليمهم بل يستلم الوثيقة ومعها القرض المالي الذي به يبدأ مشروعة سواء بنفسه أو مع مجموعة من أصحابه ويكون هناك مؤسسات حكومية وخاصة تدعم هذا التوجه وتكون موجودة كجزء من البرنامج العلمي الذي يتلقاه الشاب في خطته العلمية والعملية. يعني (من أروقة* العلم إلى أبواب العمل) مباشرة دون فراغ. من المهم جدا أن نخلق مع شبابنا شراكات تجارية ودعم في ( الميكانيكا ورش السيارات .. التكييف والتبريد .. الكهرباء .. صيانات وبيع الأجهزة الإلكترونية.. أعمال الإنشاءات.. التسويق الالكتروني .. المحاصيل الزراعية والتمور والأغذية وغيرها مما نحتاجه). ( العمالة قصمت ظهورنا في سيطرتها على ذلك). ( نحتاج العمالة نعم* .. لكن بنسب معقولة ومقبولة.). نعم .. لدينا للتمويل .. بنك التنمية وبرنامج هدف وغيرها مع أهميتها .. لكن تقريب التمويل للشباب دون تعقيد وكونه جزء من منهجه الذي يتعلمه سيكون أكثر حيوية وإدراكا ووعيا وعملية في الاستفادة منه. ما يقلق أهل التفكير في التنمية أن المتغيرات التي تحدث في عالمنا اليوم ليست في صالح مسيرتنا التنموية الوطنية ما لم نأخذ هذا الجانب الأهم في تنميتنا بكل جد بكل تفاصيله. أخيرا .. وليس آخرا .. طرح أحدنا بأن هناك معضلة لخريجي الجامعة أيضا .. في دخولهم لسوق العمل .. فلو أن كل جامعة تبنت مشاريع ( مع ما تستطيع من خريجيها) بحيث تكون شريكة لهم في تجارتهم الالكترونية والصناعية والزراعية والطبية والاجتماعية .. حيث يكون المنهج ( نحن لا نعلمك فقط بل نكون شركاء لك في مستقبلك) ندعمك .. نضع خطتك لمشروعك نساهم بنسبة مادية وشركاء لك ومن معك من زملائك .. !! هنا يمكن أن نفتح مسارات جديدة للتفاعل مع الجامعة وربما غيرها من مؤسسات الدعم والشراكة التي يجب أن تكون حاضرة في أروقة الجامعة بمكاتبها كي تفيد وتستفيد من عقليات ومهارات شبابنا المتطلع الطموح. ( بل إن من الضرورات الملحة تكثيف هذه الورش والدورات كمتطلب جامعي للتخرج قبل التخرج بسنة)!! وأن يحرص مسؤولو الجامعات على ذلك .. بل ( يصبح أولوية في مناهجهم وبرامجهم) !! هذه بعض إسهامات وأفكار هي جزء من جلستنا الأحدية ( الرائعة بمن فيها) لخصتها نظرا لأهميتها .. وتم في ختام الجلسة* بأن يتم دعوة المسؤولين في بعض مؤسسات التمويل حتى نناقش معهم مسارات تطرح حلولا لمعالجة ما تم تسميته ابتداء وعنوانا لهذه المقالة ( الفراغ التنموي). ودمتم بخير وعلى خير. جامعة القصيم