✒ إن الموت هو الحقيقة الغائبة الحاضرة فهي غائبة عن أذهان الكثير من البشر اليوم فلا يفكرون فيها أو يستعدون لها لإنشغالهم بملهيات الحياة وملذاتها. وحقيقة حاضرة لأنها واقع ملموس ومشاهد بين فئام الناس لا يخفى على أحد. ولا غروى في ذلك فكلنا ميتون ؛ ولكن يكمن العجب في أولئك الأموات الذين يعيشون بيننا بكل أريحية دون أن يشعرون. فكل من عق والديه بل وتجاوز في ذلك إلى تهديدهم فإنه في نظري ميت. نعم فهو ميت القلب والروح ؛ فإن الوالدين يقضون أوقاتهم في الحرص على أبنائهم وتربيتهم التربية الحسنة ويسهرون الليالي الطوال على راحتهم وتوفير احتياجاتهم فإذا كبروا وبلغوا مبلغ الرجال بارزوهم بالعقوق ونعتوهم بأسوا الألفاظ وهذا أحد الأباء يصف عقوق أحد أبنائه ويقول : وربيته حتى إذا ما تركته أخا القوم واستغنى عن المسح شاربه تغمد حقي ظالما ولوى يدي لوى يده الله الذي هو غالبه وكثير من الأباء والأمهات يعلقون آمالا في أبنائهم وينتظرون ذلك اليوم الذي يكبر فيه هذا الإبن ليعوضهم جزء يسير مما قدموه له وأقله صلاحه في نفسه واستقامته على دينه ودنياه ؛ ثم يتفاجئون بأنواع من العقوق والتي لم يعهدوها ولسان حالهم : فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما كنت فيك أؤمل جعلت جزائي منك هجراً وغلظة كأنك أنت المنعم المتفضل ولقد أطبق الكثير من الناجحون في هذه الحياة سواء من العلماء أو الأطباء أو رجال الأعمال على أن سبب تفوقهم ونجاحهم لم يكمن في ذكائهم أو الموارد المتاحة لهم ؛ بل في برهم بوالديهم. فأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا من البارين بأبائنا وأمهاتنا في حياتهم وبعد مماتهم وأن يغفر لنا ولهم ويرحمنا ويرحمهم أجمعين.