✒للحرفِ صوتٌ مسموع،ونبرةٌ مؤثَّرَة،ولغةٌ خاصّة. تخيَّل حياتكَ بلا حروف ! كيفَ ستترجمُ نفسْكَ وما لكَ وما عليكَ !؟ حتى الضحك،والبُكاء،والدُعاء،وغيرها مِنْ مشاعر،نحتاجُ فيها تُرجمَانًا لينقلَها كما نشاء. ولا ترجمانَ سوى الحرف ! الحرفُ ليّن،وعصيّ،وأمينٌ،وشامخٌ ووضيع،ولكن لم يكُنْ في يومٍ ما هيّنًا أو مُحتقَر ! القلمُ رَحِمُ كلَّ الحروف؛فهو أعظمُ مخلوقٍ ! ولولا عظمته لما نزل جبريلُ بإقرأ ! عظمةُ القلمِ أكسبتْ الحرفَ هيبة ! وتجلّتْ تلك الهيبةُ في "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ" و ﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ﴾ لنْ تكُونَ كتبًا عادية،بل مصيرٌ قُدِّرَ بكلمة،ومضمون الحروفِ أعمال،وبعد الحفظِ والصون إِمَّا: جنةٌ أو نار! عظمةُ الحرفِ تتجلَّى في أحاديثِ المُصطفى عليه السلام: حصائدُ الألسنةِ تكُبُّ في النار،وكلمةٌ عابرة ترفعُكَ للفردوس! والحصائدُ حروفك حينما اجتمعتْ! اللهُ خلقَ الكونَ بكلمة،وبعثَ الحق بكلمة،وقدّر المقادير بكلمة. فكيف والكونُ وُضعَ بكلمة لا يكون الحرفَ فيها سُلّم العلو تارة ومُنحدر الهبوط تارة؟!وحبلٌ للدنو مرةً،وللبُعدِ مرة! الحروف كاشفةُ الأقنعة،وكم رفعتْ عن القلوب الأشرعة!كلمة تمحّصُّ السفَهَ من الحلُم،والفحمَ مِنْ الذهب! الحرفُ في زمن التقنية مُتعدّد المهام،والحاجةُ إليه تفوقُ الحاجةِ للماءِ والهواءوالدواء! محسوساتٍ تنتهي أهميتها بانتهاء الحاجة لها. أمّا حرفك يا سيّدي حتى لو انقضت حاجتكَ إليه يبقى ولن يفنى! فهل تفكّرت وتذكرّت وتدبرّت كيف هو البقاء؟ الحرفُ يا قارئي : جناحُ طائرٍ سافرنا عليه عبر الزمن من جيلٍ إلى جيل..! ومن بلد إلى بلد! ومن ثقافةٍ إلى أخرى! ولا زلنا في سفر على ظهر حروفنا! وهذا السفر من صُنع البشر وهو سفرٌ مُباح ومُتاح!إلاَّ أنهُ في زمننا هذا تنمّرَ بالحروف أصحابها!وتدفقت بعضُ الأحبارِ في مستنقعِ سوء الظن،والشك،والدخول في النوايا؟ أن تستسهل الحربَ بالحرف فأنتَ كمن يتقّي عن الرمضاءِ بالشوك! فما أعزَّ الصمت حين يشّحُ الحديث عن المفيد! وبجولةٍ في برامج التواصل نرى من استهان بما يدوِّن ويرسل! المسألةُ ليست كلمات تُرسل،ثم تهبُّ عليها رياحُ الأيام فتُنسىٰ! يا زائرًا بسيفِ حرفه ميدان التقنية: أصبحَ الميدانُ منبرَأقلامنا،أفكارنا،ومرءآة تعكسُ الأهواء والتربية والبيئات..! ومع الاستتارِ خلفَ الاسماءِالمستعارة أحيانًا أصبحتْ محاضنَ الفضفضة لأرواحنا، بل تحولّت مع التغيير لمدارسَ وجامعاتٍ ووزارات ! وكلها تعمل بالمكتوب أكثر من المنطوق والمسموع ! فكم من حرفٍ أطلقتَهُ كالرصاصةِ فقتل! وكم من جملٍ ظننتَها عاديّة،فأصابت كسهمٍ مسمومٍ في مقْتل! أنتَ من خلفِ شاشتك الخاصّة ترسمُ الكلام الطيّب كبذرةِ سعادةٍ تضربُ جذورها في أعماق الروح فتنتعش! وبذات اليد ونفس الشاشة ترمي الكلمات كزجاجٍ تناثرَ في النفس وتطاير متكسرًِّا فخدشَ وجرح وآلمَ فأوجع ثم أثّرَ فبقي! الكلمة هي محتواك وقالبك ،وهي المبنى الذي أنت ساكنه. الكلمة أدب ، ومهارة استخدامها فنّ ، والطيشُ في محتوى الكلمات عبث..! والنفوسُ تُبنىٰ بكلمة ! وقد تُدفن بكلمة ! فاجعل منك مصفاةً لك قبل أن تدوّن أو تنطق. فكما تحيك الحرفَ؛يُحاك لك. ورُبّ كلمةٍ قالت لصاحبها : دعني. وكرّم الله وجه علي حين نظم : واحفظْ لسانك واحترسْ من لفظهِ فالمرءُ يسلم بلسانهِ ويعطبُ وقلمي في أنفاسهِ الأخيرة لهذا المقال يعترفُ بعجزهِ عن وقفِ مدِّ الحرفِ وجزره؛ لأن الكلمة بحرٌ،والبشرُ شواطئ،وفكرتك السفينة،فرفقًا بالأشرعة،ليطيبَ الرسوّ . بقلم الكاتبة/ مها بنت محمد البقمي كاتبة صحفية-مدرب معتمد