ليس ذلك الزمن الذي مازلنا نقف على أطلاله، و نتغنى بما تغنى الشعراء به : قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل.. و ليس ذاك الزمن الذي كنا فيه قبل أعوام ننعم بشيء ما، من نعيم الدنيا، و ليس الزمن الجميل يا كرام زمنًا عشنا أيامه و لحظاته مع من نحب، ثم فارقونا إلى غير رجعة،و بتنا في كل لحظة تذكرنا بهم نستدعي و نستجلب الدموع و الذكريات لنقف على أطلالهم و نندب حظًا قد فات..! إنما الزمن الجميل حقيقة، هو كل زمن كنا فيه مع الله، نعرفه حق المعرفة، بما أنعم به علينا، و ما وهبه لنا من نعم قليلة أو كثيرة. الزمن الجميل هو إدراكنا لمعنى الإحسان مع أنفسنا و مع الآخرين، و حقيقة الإحسان هو لب العقيدة( أن تعبد الله كأنك تراه....) حين ذاك؛ ندرك معنى الحياة و ندرك أننا مستخلفون لعمارة الأرض بكل معنى جميل، و لن يكون ذلك المعنى مالم يُربط بعبادة الله قولًا و عملا، هنا نقول : إن الزمن الجميل هو ما عشناه، و نعيشه، و سنعيشه مستقبلًا، و هنا ندرك أن الوقت طال أو قصر، بلا ذلك الجمال، لن يكون لنا؛ بل علينا. العاطفة حينما تتحدث عن الزمن الجميل ستنطق عجبًا، و ستنسى مواقف لا يدركها إلا العقل المتزن، و ستعود إلى جاهلية موغلة، قد ينسلخ فيها الإنسان من دينه و إنسانيته، تبعًا لجمال تدعيه العاطفة. و العقل حينما يتحدث عن الزمن الجميل، سيظهره لنا بلا جمال، و كأننا أمام أحداث أجبرنا على استيعابها و قبولها، فكيف نتعاطف معها؟! و الحقيقة يا كرام أن العقل و العاطفة لابد أن يجتمعا؛ ليحصل التوازن ، ليس في مسألة ( الزمن الجميل) فقط؛ بل في كل أمر من الأمور. لابد أيها القراء أن يكون للعاطفة مع العقل دور في حياتنا، و من خلال ذلك يحدث التوازن، في الحكم على كل شيء، و في طلب ما نريد، و رفض ما لا نريد، و لن يتأتى ذلك إلا بالرجوع إلى الأصل. ألا ترون أننا في مسألة النسب نعود في أصولنا ل( كلكم لآدام، و آدم من تراب) ؟ الأصل يا كرام ليس ما يوافق أهواءنا؛ إنما، ما شُرع لنا من الله، و جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم ( قل آمنت بالله، ثم استقم) فلا فرح بدون تعاليم الدين، و لا حزن بلا احتساب و صبر أو تصبر، و لا عمل بلا إيمان. هنا و في كل لحظة نعيش الزمن الجميل. حينما نقرأ في سير الأنبياء، و نتطلع للقائهم، و لقاء خاتمهم عليه الصلاة و السلام ، و نعمل بما جاءوا به، سيكون الزمن جميلًا حينها. فالعلاقات، بلا مصالح، و المسؤليات يتسابق إليها أصحابها، و الأمانة للجميع؛ لأنهم أمناء. و يالجمال أولئك الإيجابيين الذين ينظرون لكل زمن بمنظار وردي مشرق، مهما تقدم بهم العمر فهم يسيرون في طريق الزمن ذاته( الزمن الجميل) إنه روح تتطلع للمعالي و نفس تتوق للمكارم، و لم ترتبط بزمن بعينه. المؤمن له جنتان، لا يدخل الثانية إن لم يدخل الأولى، وفي ذلك يقول ابن تيمية رضي الله عنه: "إنّ في الدينا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، قالوا: وما هي؟ قال: إنها جنة الإيمان". لو سئلت عن أجمل زمن، فمن الطبيعي أن أقول: ذلك الزمن الذي عشت فيه في كنف أمي و أبي أميرة صغيرة، أنعم فيه بكل جميل معهما، لكن الحقيقة أن هناك زمن أجمل ، حينما أتذكر قوله تعالى: { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} هذا هو الزمن الحقيقي الجميل الذي يجب أن نتطلع إليه جميعًا، و قبله نعيش زمنًا جميلًا يوصلنا إليه..