هذه الدنيا قصيرة جداً, بالأمس استقبلنا وزيراً جديداً واليوم نودعه، وبالأمس استقبلنا مديراً جديداً واليوم نودعه ،وبالأمس تعرفنا على صديق عزيز أو حبيب صدوقاَ، والآن نفارقه، إما برحيل إلى موقع أخر أو بموت إلى دار ثانية والله المستعان. سنة الله قضاها أن للشمس مغيبا *** ثم يتلوه شروق من سنا الشمس لهيبا بكل ما فيه من خير أو شر، ولا يبقى إلا الذكرى ،إما الذكرى الطيبة أو الذكرى السيئة. نعم:- هناك أناس عندما فارقتهم أحسست بأن قلبي قد أنتزع من بين أضلعي ، وعندها أطرقت قليلاً القول الشاعر:- ودعته وبودي لو يودعني *** صفوا الحياة وأني لا أودعه أسر القلوب بتواضعه ، والألسن بكلماته العطرة، وسيرته الطيبة وبمواقفه الرجولية الشامخة، لسانه عذب المناداة يتخير ألين الكلمات لشحذ الهمم ويعمل في صمت وبلا ضجيج أو أصوات أو أبواق مزعجة، فلن أنساك أبا حازب فلن أنساك... لست أنساك وقد ناديتني *** بفم عذب المناداة رقيق ويد تمتد نحوي كيد *** من خلال الموج مدت لغريق لا أبكي رحيلك وأنا أعلم أنك راحل منذ أتيت وهل يستديم الضيف عند المُضيف ؟ لا أبكيك وأعلم أنك آت في موعدك الدقيق لكن أبكي نفسي وأنا أخشى أنك تمُرّ حيناً ولا أكون من بين من ينتظرك (مع المودعين !!! ) بتصرف هل للوداع مكان أو مبيت...ام انه سفينة بلا شراع أو رصيف...يا ليت الزمان يعود من جديد...واللقاء يبقى زمن مع الحبيب...ولكن مهما مضينا من سنين ... سيبقى الوداع هو الانين... وستبقى الذكريات قاموس كبير... تتردد عليه لمسات الوداع مع الأثير و عند المغيب... وتبقى المواقف شامخة مدى الحياة ...وعند الله نجتمع في موقف جلل مهيب...فهل لنا في ذلك الموقف منقذ أو معين. إنها الدنيا قصيرة جدا...تفرق المحبين و تتقلب على عشاقها... فتتنكر لهم بين الفينة والأخرى... قال الشاعر :- دنيا تخون محبيها وتخذلهم **عمدا ويعجب من أطباعها العجبُ ما من حبيب لها لا تعطها ثقة **لا يلعق الوحل إلا الواثق الطربُ في كل حلم مشاع رمت أمنية **فاستعبدتك الأماني مثلما يجبُ فاصبر ولا تطلب الإحسان من جشعٍ **إذ فاقد الشيء لا يحظى ولا يهبُ فإن تكن لك في الأيام مأربة **فلن تنال إذا ما صدك التعبُ كم من سبيل يغر الصفو سالكها **والموت في أي وقت فيه مرتقبُ - وفي المقابل مسؤولا كان بالأمس القريب كل يتقرب له ويتودد له ويريد رضاه ويقبل يديه ،ولسان حاله يقول:- أقبل وجنتيك يا حياتي *** فحبك لي خلود في مماتي وذكرك في صباحك بعد ربي *** وذكري في المساء قبل الصلاة والآن أصبح من صيد أمس ،أي كما يحلوا لمنسوبي المستودعات (تالف أو رجيع) أو بالعامية عفش قديم الله أكبر، يا دنيا العجائب وش بقى ما ظهر، كيف تفعل بعبادها؟ والذين لم يفهموا الدرس جيداً وغابت عليهم دروساَ وعبرا. وبعضهم جعل موظفيه كقطعان الماشية ،يسوقهم إلى حيث يريد:-التفكير الإبداعي مجاله, والتقنية تخصصه, والتطور سماته, والمستقبل هو ؟والواقع كما يريده ، والقانون تحت سيطرته! والمشاريع بيده، والمخصصات المالية يتصرف بها كما يشاء، والمناقصات يدبرها بفن واحتراف لخدمة الوطن وللصالح العام ولا يدخل قرشاً في حسابه أبداً أبداً أبداً و البقية ممن هم تحت إدارته كالقطيع يتخبط بهم كما يشاء. سوق القطيع إلى المراعي *** و امضوا إلى خضر البقاع وآخر مصلحته فوق الجميع ،فوق الوطن ،و فوق المواطن، وفوق المشاعر، ذئب أو ذيب كما يحلو للبعض لا يفيد إلا نفسه كما يقول المثل الشعبي(حليب حماره:- لا يستفيد منه إلا أولاده) ولا يريد إلا صيته ,الناس أقل منه في كل شيء فهماً-عقلاً مالاً- فكراً، وكأن الناس عنده ليس لديهم رجولة ولا كرامة ,فهي أغلى من النفوس عند أغلب الناس إذا لزم الأمر: فأنصح من تقلد منصباً أن يتوخى الحكمة والإدارة الجيدة لأن إدارة الرجال كإدارة البحر: لا أركب البحر إني *** أخاف منه المعا طب طين أنا وهو ماء *** والطين في الماء ذائب؟؟!! فوداعاً لمن حان رحيله و آهلا وسهلاً لمن يستعد للوصول لصالة الرحيل مجددا وأحب أن لا يكون نصٌب عينيه قول الشاعر: فشككت بالرمح الأصم ثيابه *** ليس الكريم على القنا بمحرم أو أن لا يكون هدفك قول الحجاج لأهل العراق: ( إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها و إني لصاحبها) فسوف تأتيك الغرغرة من منصبك، كما فعل بأسلافك من قبل ،وما هم ببعيد فشهر رجب المحرم يشهد رحيل بالمئات على نعوش ما تسمى (متقاعد) من مركزك وهيلمانك الكاذب والله المستعان وسبحانه من لا يزول ملكه وجبروته. وإذا المنية أنشبت أظفارها *** أبصرت كل تميمة لا تنفع فقدم خيراً تجد خيرا, واعمل بإخلاص فإن الناقد بصير , والحمل ثقيل ,وأنت ضعيف , ولكن كن كما قالت الخنساء في أخيها صخراً(لمن يستحق): طويل النجاد رفيع العماد *** كثير الرماد إذا ما شتا فكما قيل سيد الناس في الدنيا السخي ,وفي الآخرة التقي. مرداس 2020