الحديث عن الحب يحرك القلب ويكسبه مشاعر تفيض به وقد تبلغ به مكاناً علياً فكيف لو كان هذا الحب عن أعظم الخلق حتما ولابد أن يأخذ الحديث بمجامع القلب فيعيش الحب ويتلمسه ويتبع آثار من سبقوه فيقتفي أثرهم لعله أن ينال ما نالوا لنتعرف أحبتنا على صور هذا الحب العظيم الذي وجه لأعظم الخلق ألا وهو محمد صلى الله عليه وسلم لنرى الحب من مختلف جوانبه بل وحتى من المحبين وان لم يصدقهم العقل ! تفيض السيرة النبوية بقصص حب صادق تحركت به قلوب الصحابة رضوان الله عليهم بل وسطرت أيضاً قصصاً تفوق الخيال ولا نملك الا التسليم بها والرضا و التسبيح لمن أبدعها .. لئن سبحت صم لجبال مجيبه * لداود أو لان الحديد المصفح فإن الصخور الصُمَّ لانت بكفه * و إن الحصا في كفه ليسبِّح وإن كان موسى أنبع الماء من العصا * فمن كفه قد أصبح الماء يطفح كلنا لاشك قد طرق سمعنا مراراً وتكراراً ذكر الحجر الأصم الذي كان يلقي السلام على النبي صلى الله عليه وسلم ويتعاهده به ويظهر حبه له حتى قبل بعثته عليه الصلاة والسلام حبٌ صادق ! عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إني لا أعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن ) رواه مسلم. ومن أعجب قصص الحب للنبي صلى الله عليه وسلم جذع شجر فقد صوت النبي صلى الله عليه وسلم و كلماته ولمسات يده الشريفه واتكائه عليه فأجهش بالبكاء المرير أنين قطع قلوب من سمعه ( سبحان الله جذع من شجر ! تفطر بكاء وشوقاً لنبي صلى الله عليه وسلم !! فكيف حال غيره ) يحن الجذع من شوق إليك ** و يذرف دمعه حزناً عليك و يجهش بالبكاء و بالنحيب ** لفقد حديثكم و كذا يديك فمالي لا يحن إليك قلبي ** و حلمي أن أقبل مقلتيك وعند ذكر الجذع لا يستغرب منه ذلك لكثرة سماعه للنبي صلى الله عليه وسلم لكن الأعجب تلك الشجرة تستأذن ربها للسلام على النبي صلى الله عليه وسلم فتقطع المسافه الطويلة فتنال الشرف العظيم (قال الهيثمي :رواه أحمد بإسنادين والطبراني بنحوه . وفِي بحر القصص يزاحم بعضها بعضاً للفوز بالذكر وتجديد الهمة وتنشيط القلب فهذه الحمامة تأوي اليه صلى الله عليه وسلم وتلوذ به حباً ويقيناً منها انه الرحمة المهداة فترفرف حوله وفوق راْسه صلى الله عليه وسلم ثم تقف أمامه فيفهم حاجتها ويرد اليها صغارها ( فسبحان من دلها عليه وعلمها حبه ) رواه الإمام أحمد . وهاهو سفينة الصحراء وأشد الكائنات صبراً يخرج عن طبيعته عندما اشتد به الامر وبلغ أقصى درجات التحمل فيفزع الى الرحمة المنزلة يبحث عنه هائجاً خائفاً وما إن أبصرته عيناه حتى افرغ ما في صدره ثم انزل راْسه وتقدم يدفعه حبه للنبي صلى الله عليه وسلم فهو يعلم انه أمن بجواره فيتقدم له صلى الله عليه وسلم ويمسح عليه وينقل شكواه لمن حوله فيعتق ويرتاح بقية حياته ( رواه الإمام أحمد إسناده صحيح على شرط مسلم. ) ثم أسوِّق اليكم هذه القصة العجيبة ! تحكي قصه أشد الحيوانات افتراساً ذاك هو الأسد برهن على حبه وتعظيمة للنبي صلى الله عليه وسلم ليس بمجرد رؤيته أو سماع صوته ! بل لمجرد ذكره صلى الله عليه وسلم فهذا احد صحابته رضوان الله عليهم بل من مواليه عليه الصلاة والسلام يحكي قصته بعد ان غرقت سفينته في البحر فقذفه الى مكان فيه أسد ضاري فما ان أبصرته عيناه حتى سارع بالانقضاض عليه فأطلق الله لسان الصحابي فقال { يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم فطأطأ رأسه و أقبل إلي فدفعني بمنكبه حتى أخرجني من الأجمة و وضعني على الطريق و همهم فظننت أنه يودعني فكان ذلك آخر عهدي به ) رواه الحاكم و قال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه و وافقه الذهبي. تأملوا كيف ثمار الحب ان خالط القلب وشغفه ! قصه تدمع لها العين ولا تدري أتبكي من جمالها او على حال قلوبنا التي ادعت الحب ورأت انها بلغت ذروته روى ابن اسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر وفي يده قدح يعدل به القوم فمر بسواد بن غزية حليف بني علي ابن النجار وهو مستنتل من الصف فطعن في بطنه بالقدح وقال استو يا سواد فقال يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فاقدني فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه فقال استقد قال فاعتنقه فقبل بطنه فقال ما حملك على هذا يا سواد قال يا رسول الله حضر ما ترى فاردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير ] رواه ابن اسحاق و قال الهيثمي في المجمع رواه الطبراني و رجاله ثقات . ثم اختم بحال سلفنا الصالح لا يملك احدهم عينه عند ذكره للنبي صلى الله عليه وسلم وذلك محبةً له وتعظيماً فمن يقرأ عنهم يرى العجب العُجاب فهذا يبكي حتى يرحمه من حوله ! وذاك لا يقوى على صلب ظهره واعتداله وهو يقرا احاديثه الشريفه وغيرهم الكثير فاللهم اصلح قلوبنا وخذ بها الى مراتع رضاك.