حين حرّفت الأمم السابقة التشريعات الإلهية التي أتت بها الرسل على إختلاف أزمانها، ذابت وغرقت، امّا بالإستئصال التام من على وجه الأرض وذلك بالعقوبة المباشرة من الله عزوجل، أو بالتيه والضياع. وحتى الذين بقوا منهم على وجه الأرض ولم يُعجل لهم العقوبة في الدنيا، لحكمة يعلمها الله، فهم في ضياع روحي وخواء نفسي وهموم وغموم وانتحار وضياع وتفكك أسري واجتماعي ليس له حدود. وإن كانوا قد علموا أمور الدنيا وأبدعوا فيها فإن هذا هو اختيارهم، ولتقم عليهم الحجة وليريهم الله من أياته في أنفسهم وفي الأفاق ولعلهم بعد ذلك يؤمنون بالله حقاً. يقول عزوجل(وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ) ويقول (تعالى ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ) ! وأما تأخر المسلمين وتقدم الكفار في أسباب المعاش ، وعلوم الدنيا فإن ذلك لا يتعدى الأمور الدنيوية ، وأما العلم الحقيقي ، وهو العلم بالله والدار الآخرة فهم في معزل عنه قال الله تعالى : ( يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ). وهذا أيضا من تمام حجة الله تعالى عليهم ؛ أن أعطاهم الأسباب التي تمكنهم من العلم النافع لهم ، وتدلهم على الدين الحق فشغلوها بأمر الدنيا ، ولم ينتفعوا بها فيما ينجيهم عنده ، ويصلح لهم أمر آخرتهم فينصلح تبعا له أمر دنياهم أيضا . قال الله تعالى : ( وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)! وحين بعث الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بعثه للناس كافة، وأنزل عليه القرآن العظيم فيه هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان وقال عزوجل في كتابه العظيم ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ! ولقد علمتْ الأمم جميعها بعد ظهور الإسلام أنه هو الدين الحق، كما قال الكاتب والمفكر الإنجليزي ( برناردشو) في كتابه ( الإسلام الحقيقي) أعلم بأن الإسلام هو الدين الحقيقي وأنه سيكون دين أوروبا في نهاية القرن العشرين، فلقد اكتسح نصف الكرة الأرضية في نصف قرن من ظهور النبي محمد، وقال لوأن محمداً لازال حياً لحلّ مشاكل العالم وهو يحتسي كوباً من القهوة وقال أعلم ذلك حقاً ولكني لاأعلم لماذا لم أدخل في الإسلام بعد! ولاريب أن من يرى ويسمع سرعة وقوة انتشار الإسلام في أوروبا وأميركا وغيرها من القارات، يعلم أنه هو الدين الحق، وأن العالم قد جرّب النظريات والطروحات البشرية والوضعية، والفكر الكهنوتي والكنسي، فلم ينجح منها شيئا فالاشتراكية ذابت حتى بين أتباعها ومنظريها، وتبين للعالم أجمع أن الإمبريالية والرأسمالية مضرة بالأمم والشعوب وأنها لاتخدم إلا المستعمرين والربويين على حساب الضعفاء والفقراء ومتوسطي الأحوال والشعوب قاطبة! وقد تبين لهم وخصوصاً بعد أحداث سبتمبر في نييورك أن الإسلام بريء من الإرهاب وأنه دين السلام الحقيقي ودين الخير والمعروف والوئام، ودين الأخلاق الرفيعة والقيم الحميدة والثوابت الجميلة وأنه الدين الذي لايذوب وأنه الدين الثابت الشامخ والنبراس الذي يهدي البشرية للأمن والسلام! رافع علي الشهري