تمكن القطاع الخاص من تحقيق معدل نمو ربع سنوي حقيقي خلال الربع الأخير من 2017 بلغ 3.1 في المائة، وهو معدل النمو ربع السنوي الأعلى منذ الربع الأول لعام 2015 (6.3 في المائة)، وأنهى العام الماضي على معدل نمو حقيقي بلغ 0.7 في المائة، مقارنة بمعدل نموه الحقيقي لعام 2016 البالغ 0.6 في المائة. وتمكن أيضا من تحقيق معدل نمو ربع سنوي في توظيفه للعمالة الوطنية خلال الربع الأخير من 2017 بلغ 5.9 في المائة، مسجلا ثاني نمو ربع سنوي إيجابيا لتوظيف العمالة الوطنية على التوالي، حيث سجل 0.6 في المائة خلال الربع الثالث من 2017، خارجا من معدلات نمو سلبية لتوظيف المواطنين، بدأها مع الربع الثالث من عام 2016 بمعدل سلبي بلغ 1.3 في المائة، حتى نهاية الربع الثاني من عام 2017 عند معدل سلبي بلغ 2.2 في المائة. اللافت فيما يتعلق بمعدلات نمو توظيف العمالة الوافدة لدى القطاع الخاص؛ أنها حافظت على معدلات نموها الإيجابية حتى نهاية الربع الأخير من 2016، على الرغم من تباطؤ معدلات نموه خلال الفترة نفسها، وهو ما لم يجد له القطاع الخاص تفسيرا حتى تاريخه، حينما أرجعت أغلب منشآته أسباب تراجع معدلات نمو توطينه للوظائف خلال تلك الفترة، وزيادة استغنائه عن العمالة الوطنية (نحو 70 ألف عامل وعاملة مواطنين)، إلى انخفاض نمو أرباحها وزيادة التكاليف عليها، إلا أن منشآت القطاع الخاص رفعت بصورة معاكسة من توظيف العمالة الوافدة خلال الفترة نفسها (زيادة صافية بنحو 171.4 ألف عامل وافد)، ولم يبدأ معدل توظيف العمالة الوافدة بالتراجع إلا مع الربع الأول من عام 2017، واستمر كذلك حتى نهاية الربع الأخير من العام نفسه. تمتلك منشآت كثيرة في القطاع الخاص قدرة كافية جدا للتكيف مع الإصلاحات الاقتصادية الراهنة، وهو ما أثبتته المؤشرات الأخيرة لأداء القطاع، وحينما يبدر من عديد من تلك المنشآت ما ينبئ عن وقوعها تحت ضغوط نتيجة لتلك الإصلاحات، فالأغلب أنها نتيجة لأسباب أخرى تأتي قبل الإصلاحات الراهنة كسبب وضعته تلك المنشآت في المقدمة، أو حتى تحديدها له كسبب واحد لا ثاني له! وقد تظن تلك المنشآت أنه سبب قد يمر مرور الكرام دون فحص أو مراجعة من غيرها، وهو ظن لا شك أنه خاطئ تماما. يقوم جزء كبير ومهم جدا من سياسات وبرامج وأهداف الإصلاحات الاقتصادية الراهنة، على ضرورة أن تتغير وتيرة إدارة نشاطات الاقتصاد الوطني عما كانت عليه طوال خمسة عقود مضت، تلك الوتيرة الهشة التي أفضت إلى إنتاج قطاع خاص أفرط في إدمان الاعتماد على الإنفاق والدعم الحكومي (تجاوزت حصيلته المالية خلال 1987 2016 سقف 5.34 تريليون ريال)، وأفرط أيضا في الاعتماد بصورة كبيرة جدا على خدمات العمالة الوافدة، مقابل ضآلة مساهمته في توظيف المواطنين والمواطنات، وهاتان النتيجتان ليستا إلا عنوانا لعديد من التشوهات التي عاناها القطاع الخاص ولا يزال، لم يظهر طوال العقود الخمسة الماضية وأكثر، أنه على استعداد ولو بجزء بسيط للمبادرة بالخروج منها، والعمل على استقلاليته وخفض اعتماده على الحكومة والعمالة الوافدة على حد سواء، وهذا بكل تأكيد ما سيعوق تحقق أهداف زيادة مساهمته في النمو الاقتصادي وتنويع قاعدة الإنتاج وتوظيف العمالة الوطنية. إننا أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما الاستمرار في منهجية إدارة الاقتصاد الوطني الذي تتولى خلاله الحكومة العمل على رعايته واحتضانه وتحمل تكلفته الباهظة، وهو الأمر المستحيل حدوثه، قياسا على ما قطعته الدولة من خطوات مهمة جدا طوال العامين الماضيين، ضمن مشروعها العملاق المتمثل في "رؤية المملكة 2030". وإما أن يتم العمل على إيقاف هذه المنهجية التي لم تثبت جدواها طوال خمسة عقود مضت، وهي بكل تأكيد "منهجية" ستكون عاجزة عن الاستمرار بوتيرتها تلك الآن ومستقبلا، والتحول من ثم إلى منهجية مختلفة تماما، تقوم على اضطلاع منشآت القطاع الخاص بالدور والمسؤولية الأكبر، وهي المنهجية التي ستجد في ضوئها منشآت عديدة ما تعتبره فرصة واعدة لها للتوسع والنمو والريادة، ستعمل بكل مواردها وجهودها المتاحة على التكيف مع تحدياتها المرحلية وغير الدائمة، وصولا إلى الأفضل بالنسبة لها وفقا للتغيرات الهيكلية المستهدف تحقيقها للاقتصاد الوطني. وهي المنهجية ذاتها التي ستجد أيضا منشآت أخرى في القطاع الخاص، ترى نفسها أنها غير مؤهلة للوفاء بمتطلبات التحول والتغيير، كونها أدمنت حضانة الحكومة وسواعد العمالة الوافدة، ولا تريد أن تتخلى عن هذه النمطية! الرهان سيكون على المنشآت الأقوى والأنفع، التي أثبتت في وقت مبكر من مراحل التحول الهيكلي لاقتصادنا الوطني، أنها قادرة على الإسهام في النمو الاقتصادي وفي زيادة توطينها للوظائف، وتدريجيا سيشهد الاقتصاد اتساع أعداد وأحجام تلك المنشآت، عدا تلك التي سيولدها الاقتصاد الوطني مستقبلا وفقا لتحولاته الراهنة ومستقبلا، ولا غرابة أن تتساقط منشآت أخرى لم تستطع التكيف مع تلك التحولات الهيكلية، التي قد يكون أحد أهم أسباب ولادتها ووجودها هو التشوهات الهيكلية في الاقتصاد المستهدفة بالقضاء عليها، ومن الطبيعي أن القضاء على تلك التشوهات سينتج عنه التخلص من آثارها ونتائجها. ختاما؛ تتوافر لدى عديد من منشآت القطاع الخاص القدرة الكافية على الوفاء بالمتطلبات اللازمة منها، وهي المنشآت التي تستحق النظر إليها والاعتماد عليها حاضرا ومستقبلا، وتستحق الدعم الجزئي حكوميا في حال اقتضت الضرورة، وهي المنشآت التي سيؤدي نجاحها وتوسعها إلى إعادة تأسيس وتشكيل القطاع الخاص من الجذور، الذي سيؤدي بدوره إلى ولادة منشآت أخرى مماثلة، هي بكل تأكيد أكثر نفعا للبلاد والعباد، وهي الصورة التي يجب أن تملأ أعيننا جميعا، دون النظر أو الالتفات لغيرها من منشآت تعيش النزع الأخير من وجودها، الوجود المكلف الذي أخذ أكثر بكثير مما أعطى، على افتراض أنه أعطى شيئا يستحق الذكر. والله ولي التوفيق.