لقد أثبتت الأيام أن "بيتكوين" ونظيراتها لا يمكن التعويل عليها لتكون عملة، وأن المسار الذي ذهبت إليه اليوم وعمليات البيع والشراء والاستثمار فيها تشير بكل وضوح إلى أنها مجرد سلعة إلكترونية "إذا جاز التعبير هنا"، وعندما أقول سلعة إلكترونية فإنني لم أجد لها تصنيفا يناسبها بعدما خرجت عن كونها "خدمة" لنقل الثروة من عالم الحقيقة إلى العالم الافتراضي. ففي بدايات هذه الخدمة كانت تسعى إلى شغل وظيفة الوسيط في عالم الإنترنت حيث تحمل من الثقة بين المتعاملين حتى يتم تبادل السلع وذلك لقدرتها على الانتقال بسهولة في أجواء افتراضية ومع تنقلها تنتقل السلع في عالم الحقيقة، فهي "افتار" النقد. لقد كان من المهم جدا في مرحلة ما أن تكون المعادلات واضحة وصارمة بين قيمة "بيتكوين" وقيمة الدولار، ولكن التحول كان سريعا جدا عندما أصبحت "بيتكوين" سلعة تباع وتشترى بذاتها وتخزن بهدف المضاربة على سعرها، وبدلا من أن يتم تقييم الأشياء من خلال "بيتكوين" عادت لتكون أسيرة لحركة الدولار، فالتدفق الكبير من الدولارات على سوق الإنترنت هو الذي أحرج وضع "بيتكوين" اليوم، ومع صعوبة إيجاد عملة "بيتكوين" وعدم وجود بنك يمكنه الدفاع عنها أصبحت كميات الدولار أكبر بكثير من عدد "بيتكوين" المتاح ولهذا ارتفع سعرها بهذا الشكل الضخم، وسوف يستمر الوضع هكذا طالما لم يكن هناك ضابط إيقاع لهذه العملة، وفي اعتقادي أن من يدعي حياديتها في عالم الإنترنت يجد نفسه أمام حقيقة أن عالم الحقيقة قد أسرها مرة أخرى. المستقبل غامض جدا، ولكن المسار المتوقع هو كالآتي: هناك جهات تمتلك الدولار بقوة وبقدرة تحمل مخاطرة عالية جدا وهي قادرة على شراء هذه "بيتكوين" في كل وقت، ولهذا فقد فقدت "بيتكوين" حيادها المزعوم وسوف يرتفع السعر والرهان على الارتفاع، ولكن هذا يعتمد على أمرين الأول قرار هذه الجهات بالتوقف عن الشراء وجني الأرباح طويل الأجل، حتى تصل العملة إلى يد من لا يستطيع إعادة بيعها عند هذه المستويات العالية جدا من المخاطر، ولا يستطيع تبادلها مع سلع أخرى إلا إذا تم تجزئة "بيتكوين" وإذا حدث هذا فإن الحياد المزعوم قد انتهى بلا عودة "نتذكر قصصا كثيرة ومؤلمة من مثل هذا النوع" وهناك قد تموت العملة فلن يكون أحد قادرا على الدفاع عنها، أو حتى يرغب في ذلك، خاصة أن الدفاع عنها لن يكون إلا بشراء العملة نفسها، الأمر الثاني هو بقاء مستويات إنتاج "بيتكوين" عند وضعها الحالي، وأي إخلال بهذه القاعدة سوف يهدم نظرية "بيتكوين" من أساسها، فهي تعتمد في مفهوم حياديتها على أن الكميات المنتجة منها مرتبطة بنوع معقد من العمليات لا يمكن لأحد التحكم فيه، فإذا استطاعت الأجهزة أن تصدر منها ما تشاء وقت ما تشاء بحيث تحقق توازنا بين العرض والطلب فقد انهارت "بيتكوين"، وعندئذ سوف تنهار أيضا إلى اللاعودة. الرهان الآن هو في معرفة من هم الأشخاص الذين يقومون بالمراهنة على ارتفاع سعر "بيتكوين"، وهل هناك أجهزة تقود الموضوع من جانبها؟ هنا تكمن التحديات، لكن من المهم القول إن الارتفاع المحموم في سعر "بيتكوين" يعطي مؤشرات خطورة عالية خاصة على غير القادرين على تحمل المخاطر أو غير القادرين على فهم هذه المخاطر وتحيد حجمها وتأثيرها، نعم قد يكون الطريق سالكا الآن، وقد تكون المخاطرة مناسبة للفوز بحصة من الربح، لكن تذكر أن المعادلة قائمة ليس على أساس الاحتفاظ ب"بيتكوين" هو الثروة، بل إن الثروة تكمن في القدرة على بيعها بعملة حقيقية وبسعر أعلى، وهنا مكمن المخاطر، بمعنى أن قرارك بالشراء أو البيع يكمن على مدى وحجم تدفق الدولار على العالم الافتراضي، وهنا المعلومات شحيحة جدا، والسبب بسيط للغاية فالدولار لا يذهب إلى هناك، بل ينتقل من بنك حقيقي إلى بنك حقيقي. وإذا كنت فيما سبق أعلاه قد استطعت أن أصل بالفكرة واضحة بما يكفي، فإنك عزيزي القارئ ستدرك أن الثروة الحقيقية لا تنقل إلى العالم الافتراضي أبدا، لأن الثروة تكمن في السلع الحقيقية نفسها وليس في وسائطها، وأن بداية فكرة "بيتكوين" كانت على أساس أن يستطيع العالم الافتراضي إيجاد ثروته الافتراضية من خلال قيمة سلعة من برامج وابتكارات ولكن عندما أصبحت هناك علاقات تبادلية بين العالم في الإنترنت وعالمنا الواقعي فلم تعد "بيتكوين" قادرة على إيجاد الثروة إلا إذا قيمناها بالدولار، وهكذا انتهت تماما كعملة، وأصبح مستقبلها بيد من يملك الدولار وهو قادر في الوقت نفسه على المراهنة. هنا أنصح بعدم التورط في هذه المسارات حتى يصبح الوضع أكثر وضوحا، ولن يتحقق ذلك حتى تقف العلاقة التبادلية بين الدولار و"بيتكوين" ويتم التوقف نهائيا عن بيع هذه العملة الإلكترونية وغيرها في سوق العملات، فالعلاقات غير صحيحة وغير منطقية ولا بد للمنطق أن يفرض نفسه في وقت ما، وعندئذ يجب أن تكون في مأمن. بالطبع العالم مندهش الآن وحتى تستفيق الحكومات من سباتها وتقنن التبادل فإن على غير القادرين على تحمل المخاطر البقاء خارج اللعبة.