ليس لعمل الخير حدود,وليس له في شرعة الاسلام قيود,بل انه مطلقٌ كالريح المرسلة التي تهب على كل فج وحدب,وفي كل الاتجاهات, فالخير خيرٌ ونورٌ على نور يهدي الله لنوره من يشاء. الخير لفظة وصفية, وهي اسم تفضيل(على غير معيار أو قياس )! غير أن هذا الخير لايقيّده الا فهم الناس وإدراكهم لمعنى الخيرية وتحديدها, فقد يقول فريق هذا خيرٌ ويقول أخر بل هو شر ووبال. ولهذا فقد أوجد الاسلام ميزان العدل والانصاف,والذي ماترك شاردة ولا واردة إلا ووزنها بكفتيه العظيمتين(الكتاب والسنة) فحين يصبح الموزون خيرا فهو خير وحين يصبح شرا فهو شر. وقد يكون الموزون خيرا,بيد أنه لابد أن يُقيَّد بالحكمة المستمدة من شرع الله الذي شرعه للناس جميعا وارتضاه لهم,حتى لايتحول هذا الخير إلى شر ووبال على الفرد والمجتمع والامة,وعلى سبيل المثال لاالحصر,لو أن هناك عدوا حاقدا يتربص ببلد من البلدان الشر والمكيدة,وفرَّق مليشياته بين الناس وفي شوارعهم ومساجدهم ومؤسساتهم, ليتظاهروا بالفقر والجوع والمسكنة وانقطاع السبل ليستدروا عطف الناس وشفقتهم,وهم لايعلمون بمكرهم,فيبذلون لهم من الاموال مايجهزهم لشراء السلاح والمؤنة والعتاد,فيكونون هم الضحايا الساذجة, لهؤلاء الغزاة المعتدين,فالبذل والعطاء وحسن النية لهؤلاء خيرٌ في أصله,غيرأن الحكمة والفطنة(والفوبيا)هنا مطلب شرعي سيما حين يكون هناك مقدمات أوتراكمات عدوانية اما باردة أو ساخنة, ذات روابط عقدية واجتماعية تربط هؤلاء المتسولين بأصحاب تلك التراكمات ولا ارى أدلُ على هذا من جماعة (الحوثيين) فالمملكة تمتليء بمن نظن.. ولانجزم أنهم موالون لهم, غير أن الحذر واجبٌ.. يجب توخيه من قبل الجميع!!! وأما في الجانب الواضح من العمل الخيري والذي لاغبش عليه ولاتعتيم وتتحقق مشروعيته كما تتحقق الشمس في رابعة النهار نجدُ وللآسف الشديد غفلةً وفتورا,ونجد إعراضا وصدودا,وإن كان الخير والحمد لله بين الناس موجودا,فكم من فقير يكاد الجوع يقتله وجاره الغني يبيت منتفخا مجخيا تكاد التخمة تهلكه,ولايسأل عن جاره أبدا,والرسول صلى الله عليه وسلم يقول( لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَبِيتُ شَبْعَانَ وَجَارُهُ جَائِعٌ) وكم من أناس يعيشون بيننا ويسيرون معناولايجد احدهم قوت يومه,منعهم الحياء فلايسألون الناس الحافا؟ وكم من الصور المحزنة التي لانكاد نحصيها,منعتنا الغفلة عن تقصي أحوالها والوقوف عليها بعين الحقيقة لاالريب؟! يقول أحد المعلمين ,كان بمدرستنا طالبان ذكيان جدا,غير أنهما يكثران الغياب ,وحين سألتهما عن سر ذلك أجهش أحدهما بالبكاء ولم يجيبا على سؤالي ,قال فسألت عن بيتهما وحين رأيته ليلا علمت أن الكهرباء مقطوعة عنه ,قال فطرقت الباب ففُتحَ لي وقيل لي تفضل.. لكن ليس عندنا كهرباء,قال فقلت لهما أهذا سبب تغيبكما عن المدرسة؟قال أحدهما.. ليس هذا فحسب بل إن ابانا شيخ كبير ومصاب بجلطة وله علاج ولانستطيع توفيره إلا اذا تغيبنا وعملنا في حلقة الخضار (حمالين)أو في مواقف السيارات (مغسلين)ولو ليوم أو ليومين لتوفير العلاج..أما الاكل فإن غدائنا وعشائنا وإفطارنا في اليوم بثلاثة ريالات فقط ,نشري بها ثلاثة أكياس من الخبز أو الصامولي,كيسٌ للافطار وكيس للغداء وكيس للعشاء, وأحيانا نبيت جوعى,وليس لدينا فِراش نجلس عليه الا (مشمع بلاستيكي) صغير, ولانملك ثلاجة أوغسالة أو تلفاز أو فرن,لدينا (سخّانة) صغيرة نطهو عليها مانجده,غير أنها منذ زمن في اجازة طويلة لعدم توفر الكهرباء.. وهل تعلم يا أستاذ أن أختي لم تعد تذهب للمدرسة منذ ثلاث سنين,لعدم مقدرتنا على توفير طلبات ودفاتر وكراسات ومراييل المدرسة؟ثم نظر يمنة وقال.. أما البيت الشعبي الذي نحن فيه فإن صاحبه قد قال لنا لاأطالبكم بأجار لكن ابقوا فيه حتى احتاج اليه..ولاندري متى يحتاجه؟...فجزاه الله خير الجزاء! هذه واحدة من الصور المحزنة,والمأسي المقلقة التي توجد في مجتمعنا,ويغفل عنها الكثير ممن يحبون الخير ويحبون أن ينفقوا في سبل الله,لكن أعمالهم الوظيفية ومتطلباتهم المعيشية وأحوالهم المادية الطيبة,أنْستهم فأبعدتهم عن البحث والتحري في أحوال الناس,الذين يحتاجون لمد يد العون منهم! غير أننا نجد أن الغفلة بين أبناء المجتمع,أكثر بكثير في مجال العمل الخيري والانفاق في سبيل الله,حين يكون في مجالٍ عام يخدم ألدين والمجتمع والآمة والوطن..وعلى سبيل المثال, حين يكون في دعم الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرأن الكريم,والتي تعمل من أجل خدمة كتاب الله العزيز لأبناء وبنات المسلمين كبارا أوصغارا فتعلمهم القراءة الصحيحة المجودة,وتحفظهم القرأن عن ظهر قلب,وتسعى لتهذيبهم وتربيتهم على الكتاب والسنة,دون إفراط أو تفريط..فهي التي تجلب المحفظين المتقنين,وتستقطب الكوادر التربوية الناجحة, والمشرفين المتميزين من الحفاظ.. وهي التي تشرف على سير التعليم والحلقات, وجودة العمل الاداري التقليدي والتقني الذي يضبط الاعمال الفنية والمنهجية لتعليم كتاب الله ,من أجل تحقيق الجودة الشاملة في هذا المجال المبارك! جمعيات تحفيظ القرأن الكريم التي هي.. قلاعُ نورٍ يشع منها بريق ألآمل الساطع الذي يضيء للآمة طريقها إلى بر ألامان,فمن يتخرج من حلقاتها القرأنية, يعد من المتألقين وممن يشار لهم بالبنان لتميز محفظيها في الغالب ولتميز مناهجها التي تعلم وفق أليات مدروسة دراسة شرعية وعلمية,وليس أدل على هذا من تألق أئمة الحرمين الذين هم من خريجيها!!! لكن هذه القلاع الشامخة في هذه البلاد المباركة,تحتاج إلى أمورٍ ثلاثة هامة, حتى تبقى قلاعا مضيئة لاتتثائب أبدا وهي: أولا:الدعم المادي من أهل الخير,من الآفراد ومن المؤسسات والشركات في بناء وإنشاء أوقاف هذه الجمعيات,والمساهمة في دفع رواتب المحفظين كل على قدر استطاعته,مع ضرورة وجود الامان المادي المستمر من وزارة الشؤون الاسلامية حين تنضب التبرعات الخيرية أو تقل, فهي الغطاء الذي يظللها! ثاتيا:التعاون العام من جميع الطبقات والفئات والمؤسسات والبنوك والجهات الرسمية والخاصة,فالجهة التي تساهم بما تقدر عليه من دعم معنوي أوغيره تنال الاجر والمثوبة,ولقد علمتُ أن بعض الموسرين تبرعوا بقاعات أفراح شهيرة لهذه الجمعيات حين تحتاجها في تخريج حفاظها,وتبرعَ صاحب دار نشر ومطابع شهيرة بطبع كل ماتحتاجه هذه الجمعيات من مطبوعات,ولكننا رأينا في الجانب الآخر وللاسف الشديد من يتلكأ ويتعذر من موظفي بعض الجهات عن انجاز معاملات الجمعيات الخيرية وكأنه يقول في نفسه ليست جهات حكومية صرفة,ونسي أنها تتظلل بمظلة الحكومة رعاها الله,وأنها تخدم كتاب الله العظيم. ولعله قد غفل عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (خيركم من تعلم القرأن وعلمه) وأنه حين يُخْلص لله ويساهم في إنجاز أعمال ومهام هذه الجمعيات,وحسب النظام,يكون قد شارك في مسيرة تعليمها المبارك,ويصبح ممن تشملهم الخيرية بإذن الله,وإن تفاوتت الآجور في هذا!! ثالثا:الدعم الاعلامي وإبراز أعمال هذه الجمعيات ومهامها من معطيات ومخرجات وإحصائيات,وذلك عبر القنوات وعبر الصحف والمجلات وعبر الشبكات العنكبوتية ,باللقاءات وبالدعايات المنضبطة الهادفة التي تخدم كتاب الله عزوجل,وليت أصحاب القنوات الاسلامية والصحف الالكترونية, يسارعون إلى كسب ألاجور,فأنهم من أهل الدثور,وذلك يتخصيص زوايا إعلانية لهذه الجمعيات القرأنية,حتى تتحقق لهم وللآمة الخير والفلاح! فإنما الغفلة عن عمل الخيرات,خطرٌ عظيم على الفرد وعلى المجتمع وعلى الآمة, والتعاون على البر والتقوى مما أوصى به الله (وتعاونوا على البر والتقوى) ويقول تعالى(وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) والرسول صلى الله عليه وسلم يقول(ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا) فلا يجب أن تُوقِفَ الغفلةُ أعمالَ الخيرأبدا,ولا أن تُوقِفَها (فوبيا الاعمال الخيرية) التي زرعها أعداء الآمة بين ابناءها من أجل الحد من النهوض بالجمعيات الخيرية التي ترعى الكثير من الآسر الفقيرة,وترعى الوعي الديني المعتدل ,بتحفيظ القرأن الكريم والسنة النبوية الشريفة!!! رافع علي الشهري