صبيحة يوم الثلاثاء الموافق 15 / 5 / 1432ه زرت مرور منطقة عسير لأجدد ( رخصة القيادة ) غير أني وجدت في رصيدي كدائن للمرور ( 1100 ) ريال قيمة مخالفتين ، الأولى : للعم ( ساهر ) كنت قد ارتكبتهما في غفلة عن عين الرقيب كما كنت أتصور ، والثانية : قيمة مخالفة عدم تجديد الرخصة مدة ( 4 ) سنوات ، ولا أدري ما السبب في عدم تجديدها ؟ ! هل لأني نادر المخالفات والحوادث بفضل الله ، وبالتالي لم تُطلب مني الرخصة خلال هذه الفترة ، أم ماذا .؟ ما علينا .. المهم : أني دفعت المخالفات وأنا أتبسم ما دمت أنا السبب .. ورحم الله امرأ أنصف من نفسه . سددت المخالفات كلها وجهزت أوراقي وسلمتها للموظف ، وكنت أحمل في ظني أنه سيقول لي : راجعنا بعد يوم أو يومين أو أسبوع أو أسبوعين .. غير أن المفاجأة كانت قوله : انتظر على الكرسي لحظات .. ظننت أنني أمام مشكلة جديدة لم تكن في الحسبان .. تركت الأوراق بين يديه وغادرت الصالة إلى مبنى المرور لأستفسر عن مخالفات ( العم ساهر ) . ( ساهر ) وما أدراك ما ( ساهر ) لقد اشتد غضبي عليه حين وجدت في كمرته مخالفتين ، إحداهما : في مكة والأخرى في أبها .. قررت أن أقلب المرور رأسا على عقب ( بالنظام طبعاً ) فقلت : أنا ابن جلى وطلاع الخبايا ... متى أضع البطاقة تعرفوني .. ( وصِحْت ) في أحد الجنود على مدخل الإدارة قائلا : كيف استفسر عن مخالفات ( ساهر ) المزعومة ، فقال بكل لطف وأدب وهو يتبسم : هناك مكتب الحاسب – وما أحسن أن يكون المواجهون للجمهور على هذه الشاكلة - دلفت إلى مكتب الحاسب فإذا عسكري قد تأبط حاسباً مكتبياً .. ظللت واقفا حتى قضى العميل الذي قبلي نَحْبَه ، تقدمت واثق الخطى متسائلا : يا سعادة الرقيب : وجدت في رصيدي مخالفتين ( وأنا ابن جلى ) فأين وقعت - لو سمحت – ومتى ؟ وكيف ؟ زرزر حاسبه وأنا أشاهد وأخرج لي مخالفتين ، الأولى : في مكة ، قائلا : إذا أردت أن تتعرف عليها فراجع مرور مكة .. ظننت عندها أن ذلك تهربا من الإدارة إزاء ما سمعت ، فتركت الأمر وقلت له : والثانية التي عندكم ؟ قال هذه في أبها ، قلت : هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين !! قال : بإمكانك الاستفسار الكامل في الطابق العلوي . هرولت إلى الطابق العلوي وأنا أزوِّر الكلام في صدري لأهاجم الموظف المختص بحق أو بغير حق كما هي عادتنا في ثقافة الحوار ، سواء كان الحوار في البيت أو المكتب أو حتى في الشاشات أمام الملايين ، المهم قررت المحاورة مع الموظف فأنا الذي لا أذكر أني تجاوزت السرعة القانونية إلا حيث ينام ( الساهر ) دخلت المكتب فإذا موظف يقطر أدبا ومروءة وتطبيقاً للنظام – وما أحسنها إذا اجتمعت – إنه على ما أعتقد رئيس الرقباء : محمد بن صالح البشري – ومن حق الناجحين أن نشيد بهم – ولا يذهب ظنكم بعيد ، فالله يعلم أني لم أعرف هذا الرجل إلا تلك اللحظة - رحب بي وحياني ثم قال : جئت تستفسر عن مخالفتك ؟ قلت : كيف حكمتم علي أني مخالف ؟ فقال وهو يتبسم : ( تعال هنا لا هنت ) أوقفني أمام شاشة الحاسب وطلب من الموظف البحث برقم المخالفة ، بعد لحظات - وقلبي يكاد يتوقف - خرج ما لم أكن أتوقع !! صورتي بشحمي ولحمي وأنا في سيارتي أتأبط ( دركسونها ) على طريق المطار ، حيث السرعة هناك ( 80 ) كم .. وأنا ( ماحِطْها ) ( 94 ) كم ، ( صحيح ما هي سرعة جنونية ) لكنها فوق السرعة المسموح بها قطعا ، ولست بمعترض على أن تكون السرعة على أي طريق أقل أو أكثر ( هذا ماهو شغلي الآن ) شغلي مع إخواني أمام الشاشة شغلٌ منطقي يؤكد بأني تجاوزت السرعة المسموح بها .. لا .. والفضيحة الثانية أني كنت ( داقها سواليف بالجوال ساعة ما لقطني ساهر ) لا .. ( وازيدكم من الشعر بيت : لم أكن رابطاً حزام الأمان !! ) كلها والله رأيتها بأم عيني وجدَّتها !! يا لطيييييييف ، جئت أعترض على واحدة ( فطلعت الثلاث عرض ) والمثل الشعبي في جنوبنا يقول : يا مدوِّر للمكاسب ... راس مالك لا يضيع . ( تخيلوا واحد جاي يصارع ليمحو مخالفة ، فخرج معها توأمان !! يا للفشيلة .. ) قلت للأخ البشري ( يا بو صالح أنا ما كنت أكلم بالجوال ، يمكن كنت أحك أذني ، والا رافع يدي أسلم على واحد في الشارع !! ) وكأنه يقول : ( يا للأقدار ما حصلت تحك أذنك ، والا تسلم على واحد في الشارع إلا أمام كمرة ساهر ) . الحقيقة أني خرجت من إدارة مرور عسير وأنا في غاية السرور والغبطة لأن الدليل على إدانتي كان كالشمس في رائعة النهار .. دفعت المخالفات مقتنعا ( لأن يداي أوكتا وفوي نفخ والبالونة انفجرت ) وقلت ساعتئذ للأخ البشري : ليتكم تنقلون لنا مع رسالة الجوال مثل هذا المنظر الجميل ( منظر السائق وهو يرتكب المخالفة باسمه ورسمه ) فقال : أبشرك السرعة مع الجوال وحزام الأمان في المرحلة القادمة ستصلكم على شاشات جوالاتكم ، قلت منتشياً : ( ياااااه حمشي كويس أوي بعد اليوم ..) ( فإن الله يزع بكمرة ساهر ما لا يزع بسورة غافر .. ) أرجوكم احفظوا عني هذه القاعدة فقد ولَّدتها من القاعدة الأم ( إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ) . المذهل في الأمر أني مذ وَلَجَتْ أقدامي إدارة المرور حتى أنهيت إجراءاتي واستلمت رخصتي لم تزد المدة عن (20) دقيقة ، وكان برفقتي في ( السرى ) رجل مقيم من الهند كنا سواسية كأسنان المشط .. وتحققت مطالبنا في إنجاز إداري وتقني مذهل – ما شاء الله لا قوة إلا بالله – سَرَتْ في جنبات هذا هذا الإنجاز علاقات إنسانية رفيعة المستوى ، ظلَّلت بدفئها جميع المراجعين من المواطنين والمقيمين . خرجت من المرور ورفعت جوالي على السكرتير الرائع وطلبت منه محادثة سعادة المدير ، فأحالني على سعادة العميد سعيد بن مزهر القحطاني مدير مرور منطقة عسير .. سلمت عليه ونقلت له مشاعري حيال ما رأيت .. شكرته وشكرت العاملين معه .. لقد خرجت من المرور والدنيا لا تسعني فرحة بهذه النقلة النوعية الخدمية لإحدى منشآتنا الأمنية . فتحية إعجاب من الأعماق لسعادة العميد سعيد بن مزهر القحطاني مدير إدارة مرور منطقة عسير ولكافة العاملين معه .. وتحية إعجاب لك يا ( ساهر ) حين تكون كافة إجراءات مدروسة مقننة ، وتحية إعجاب ( لي ) حين اعترفت بأخطائي وسدت مخالفاتي بكل اقتناع .. وتحية إعجاب ( لكل جهة حكومية ) تختصر المسافات الإدارية وتتجاوز مسالك البريروقراطية ، لتقول للمواطن والمقيم : خذ ما لك وأد ما عليك غير هيَّاب ولا متعتع . إضاءة : في انتظار أن أجدد رخصتي القادمة ( وفق نظرية القلب ) وهي إحدى الاستراتيجيات الإبداعية لحل المشكلات ، فبدل أن أزور المرور ، يبادر المرور بزيارتي عبر ( النت ) فيأخذ أوراقي ويعيد لي رخصتي وأنا أحتسي فنجانا من قهوة الصباح مع أم العيال . د . خليل بن عبدالله الحدري جامعة أم القرى