كشف رئيس هيئة المساحة الجيولوجية في السعودية الدكتور زهير بن عبدالحفيظ نواب النقاب عن اكتشاف علمي جيولوجي في مجال «الأحافير الفقارية» التي عاشت وانقرضت قبل 29 مليون سنة، يتمثل في العثور على بقايا من جمجمة «سعدان الحجاز» الذي عاش قبل ملايين السنين، في منطقة الخيف في محافظة الجموم (30 كلم شمال مدينة مكةالمكرمة) في غرب السعودية. وأوضح أن هناك مؤشرات لوجود بعض الفقرات لحيوانات ضخمة تشبه الديناصورات والسلاحف العملاقة في شمال غرب السعودية، تحتاج إلى بعض الوقت بغية التعرف عليها بشكل صحيح، من خلال المختبرات المتخصصة وتقدير عمرها الزمني الذي عاشت فيه. وأبان نواب أن فريق الأحافير في هيئة المساحة الجيولوجية السعودية، تمكن بالتعاون مع خبراء من جامعة «ميتشيجن» في الولاياتالمتحدة الأميركية، من العثور على بقايا جمجمة تحتفظ بعظام الوجه، والأنف، والفك العلوي، وأجزاء من منطقة الأذن، تعود إلى أشباه «سعادين بدائية»، وتعتبر (الاحفورة المكتشفة) كاملة وواضحة المعالم، من حيث الصفات التشريحية المقارنة. وأشار إلى أن هذه الاكتشافات ضمن برنامج عمل مستمر يشمل جميع مناطق السعودية، تعمل وفقه هيئة المساحة السعودية لاكتشاف ودرس الدهر والحياة القديمة. وكانت المجلة العالمية للعلوم نيتشر «Nature» نشرت نتائج هذا البحث وأبرزت أهميته، وذكرت أن هذا الاكتشاف فريد من نوعه، ويمكن أن يسهم في زيادة الفهم العام للامتداد الجيولوجي والتاريخي للسجل «الأحفوري» لرتبة الرئيسيات، إذ إنه «يعود إلى فترة زمنية تمتد من 23 إلى 30 مليون سنة تقريباً، وتعتبر فترة فقيرة بأحافير هذه الرتبة، وهي فترة حرجة بالنسبة للتوزيع الجغرافي القديم للثدييات في المنطقة، عندما كانت شبه الجزيرة العربية ملتصقة بقارة أفريقيا، قبل تكوّن البحر الأحمر». وألمح نواب إلى أن الاكتشاف الجديد أُطلق عليه اسم «سعدان الحجاز» (Saadanius hijazensis)، نسبة إلى إقليم الحجاز غرب السعودية، وينتمي سعدان الحجاز المنقرض إلى طائفة الثدييات المتفرعة منها رتبة الرئيسيات، التي تضم الأنواع الحالية المنقرضة من القردة والسعادين، التي تندرج تحت مستوى تصنيفي أكثر تشعباً يعرف ب«الكاترينيات» (Catarrhini) أو الرئيسيات ذوات فتحات الأنف المستقيم المفتوحة للأسفل، التي تضم كذلك أقدم «الكاترينيات» البدائية من أفريقيا، ومجموعة قردة منقرضة من «أوراسيا». من جهته، أفاد رئيس البحث اختصاصي الأحافير الفقارية في جامعة «ميتشيجن» الدكتور زلموط، أن سعدان الحجاز المُكتَشَف قد تم استخراجه من طبقات الحجر الرملي الأحمر الداكن اللون، المتداخل مع الحجر الحديدي «البطروخي»، في الجزء الأوسط لمتكون الشميسي، وقد قدر عمره ما بين 28و 29 مليون سنة، اعتماداً على الدراسات السابقة للنظائر المشعة المستخلصة من الصخور البركانية لحرة «العجيفاء»، التي تغطي الطبقات الرسوبية الحاوية على الأحافير. وتابع: «ساعدت أحافير الثدييات المكتشفة مع سعدان الحجاز، التي كانت معاصرة له، مثل الفيلة وأفراس النهر البدائية والوبريات العملاقة، في تحديد العمر وذلك بعد مضاهاتها ومقارنتها بمثيلاتها في العالم، وكانت هذه الحيوانات تعيش في بيئة غابات وبحيرات تغذيها أنهار وروافد تكونت تحت ظروف مناخية شبه إستوائية وذات نسبة عالية من هطول الأمطار». وأضاف أن «سعدان الحجاز» ذو حجم متوسط، ووزنه يتراوح ما بين 15 إلى 20 كيلو غراماً، وتبرز مقدمة الوجه قليلاً للأمام، وهو ذو أسنان طاحنة واسعة نسبياً، وأنياب متطورة إلى حد ما، ويتميز الجزء العلوي من جمجمته بوجود أثلام سميكة، تُكون منخفضةًً في شكل مثلث على عظمة الجبهة، ودلت الأشعة المقطعية للجمجمة على أن تركيب عظام الجبهة يخلو من أي جيوب داخلية، إلى جانب أن التركيب والخصائص التشريحية للأذن يشبه إلى حد كبير تركيب وخصائص أذن القردة والسعادين الحالية. ولفت إلى أن الخصائص التشريحية لسعدان الحجاز بينت أنه نوع بدائي بالنسبة للسعادين المعاصرة، وقرود العالم القديم، وفي الوقت نفسه يعتبر أكثر تقدماً من «الكاترينيات» البدائية المكتشفة في منطقة الفيوم (جبل القطراني) في جمهورية مصر العربية، ما يجعله نوعاً انتقالياً ما بين «الكاترينيات» البدائية من جهة، والسعادين المعاصرة وقرود العالم القديم من جهة أخرى.