مازال الغموض يكتنف عهد الفراعنة، ويحدو العلماء الأمل لحل تلك الألغاز المبهمة، مستخدمين كل الوسائل من أجل كشف كل ما يحيط بقدماء المصريين من أسرار، حيث نجح العلماء هذه الأيام في استخدام البذور والنباتات القديمة التي استطاعوا من خلالها أن يصلوا للتسلسل الزمني الأكثر دقة لتاريخ ملوك مصر القديمة. جاء تحليل النباتات والبذور القديمة ضمن دراسة دولية تهدف للتعرف على الترتيب والتسلسل التاريخي لحكام الفراعنة في الدولة القديمة والوسطى والحديثة، ويأمل العلماء أن تساعد تلك الدراسة على كشف دقيق لحكام تلك الفترات في التاريخ المصري، ويستخدم علماء "المصريات" كل الوسائل الممكنة لتحديد الفترة التي حكم فيها كل واحد من ملوك مصر القدماء. ورغم كل الجهود التي يبذلها العلماء لم تأت النتيجة مرضية، ولكن الدراسة الجديدة بقيادة البروفيسور كريستوفر رمزي جاءت لتحل مشكلة التسلسل الزمني لحكام مصر مرة واحدة وللأبد، حيث قاموا بجمع البذور والنباتات والفواكه والسلال الخاصة بملوك مصر القديمة من مختلف متاحف العالم، ثم ربطوا بين النتائج التي حصلوا عليها عن طريق الكربون المشع والمعلومات التاريخية عن حكام الفراعنة ليحصلوا بعدها على تسلسل زمني كامل لكل السلالات المصرية القديمة. و أشارت الدراسة اليت نشرت مؤخراً في "Science" إلى أن هناك أدلة على أن التسلسل الزمني الجديد لملوك الفراعنة مختلف بعض الشيء عن التسلسل الذي عرفناه، حيث أثبتت الدراسة أن عصر الدولة القديمة يقع في فترة زمنية أقدم مما ينادي به الكثير من الباحثين، كما ظهر أن أحد حكام الدولة القديمة وهو الملك زوسر قد حكم في الفترة ما بين 2691 و2625 قبل الميلاد في حين كان يعتقد الخبراء أن زوسر حكم مصر في فترة زمنية تلي تلك الفترة بحوالي 50 إلى 100 عام، كما أشارت الدراسة إلى أن البداية الحقيقية لعصر الدولة الحديثة كانت في الفترة ما بين 1570 و1544 قبل الميلاد. ويقول أندرو شورتلاند، من جامعة كرانفيلد، في حديثه لهيئة الإذاعة البريطانية إنهم في البداية قاموا بإستخدام الكربون المشع مع بعض النباتات وقارنوا النتائج التي حصلوا عليها بالنتائج المعروفة لهم سلفاً ليتأكدوا من دقة هذه الطريقة، وبعد أن تيقنوا تماماً من صحة النتائج التي حصلوا عليها ومن قدرة الكربون المشع على كشف الزمن الحقيقي للمواد والنباتات، قاموا عن طريقه بمحاولة التأكد من المعلومات التي يعرفونها من قبل، وأرادوا معرفة مدى دقة المعلومات التي يعرفونها عن التسلسل الزمني للتاريخ المصري القديم. وأضاف بأنهم إستخدموا هذه الطريقة بعد أن تأكدوا من قدرة الكربون المشع على تحقيق نتائج دقيقة للغاية بعد أن ظل لفترة طويلة مشكوك في صحة نتائجه، ولكنه أصبح ممكنًا الآن على التحديد الدقيق للزمن بشكل قد يعمل على إعادة بناء التاريخ. ولقد شارك البروفيسور رمزي في عمل هذه الدراسة مجموعة من زملائه في جامعتي أوكسفورد وكرانيفلد مع فريق من الباحثين من فرنسا والنمسا وإسرائيل واستخدموا الكربون المشع لمعرفة التأريخ الزمني ل 211 نبات تم جمعها من متاحف في مختلف أنحاء العالم، ويرى الأكاديميون أن معرفة التسلسل الزمني لملوك مصر القديمة لن يفيد في معرفة تاريخ مصر وحدها ولكن سيمتد أثره للمنطقة بأسرها حيث سيساعد على توقيت الأحداث التاريخية في المناطق المجاورة. ويقول د.رمزي في حديثه أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اتخاذ الكربون المشع للحصول على تأريخ زمني بهذه الدقة، وشكر د.رمزي زميلته جوان رولاند على مساعيها لدى المتاحف المختلفة لجمع النباتات اللازمة لإجراء هذا البحث وأثنى د.رمزي على ما قدمته تلك المتاحف من دعم ومساعدة، خاصة أن خروج تلك النباتات من المتاحف المصرية كان محظوراً.