تشكل مسألة السكن المستقل المعوق الأساس أمام تأخر الزواج في العالم العربي، نظرًا إلى ارتفاع أسعار الشقق وإيجاراتها نسبة لما يتقاضاه السواد الأعظم من الشعب، ما يؤدي إلى تأخر في سن الارتباط وتحديد عدد الأطفال مهددًا بالتالي بشيخوخة المجتمعات. أظهرت دراسة جديدة تأخر سن زواج المرأة العربية وانخفاض عدد الأطفال الذين تنجبهم، كاشفة عن معوقات تواجه الشبان والشابات نحو بناء عشّ الزوجية الخاص بهم خارج بيت الأهل مع تخطيط الأسرة في بعض البلدان العربية لإحداث تغيرات سكانية بالغة الأثر في المنطقة. وتوصلت الدراسة التي أجرتها مؤسسة غابمايندر Gapminder للأبحاث الإحصائية إلى أن المرأة الليبية، على سبيل المثال، كانت في عام 1973 تنجب في المتوسط 7.6 طفل، وتتزوج في سن 19، وبحلول عام 2005 أصبحت المرأة الليبية تتزوج في سن 29 في المتوسط، وتنجب 2.9 طفل، في مؤشر إلى الهبوط الحاد في خصوبة المرأة الليبية. يُلاحظ الاتجاه نفسه في تونس، حيث ارتفع متوسط سنّ الزواج خلال الفترة نفسها من 22 إلى 29 عامًا، وانخفض معدل الإنجاب من نحو 7 أطفال للمرأة المتزوجة إلى طفلين. وسُجل هبوط الخصوبة في عموم العالم العربي، بحسب الدراسة، لكن بوتائر أبطأ في بعض البلدان، مثل اليمن. إذ بقي متوسط سن زواج المرأة ثابتًا عند 22 عامًا للمرأة اليمينة والفلسطينية، ولكن متوسط عدد الأطفال الذين يُنجبون انخفض من 7.3 طفل إلى 5.9 طفل في اليمن، ومن 8 أطفال إلى 4.8 طفل في فلسطين. معوقات اجتماعية واقتصادية عزت الدراسة هذه الاتجاهات في ارتفاع سن الزواج وهبوط الخصوبة إلى التغيرات الاجتماعية حتى في مجتمعات تعتبر مجتمعات إسلامية تقليدية ومحافظة. وقال المحللون، الذين شاركوا في إعداد الدراسة، إن الزوجين في العالم العربي اليوم يبحثان عن مكان خاص بهما يعيشان فيه، ويتعيّن على الكثير من العائلات العربية أن تستمر في الإدخار فترة طويلة قبل أن يتمكن أطفالها من الزواج. وأضاف المحللون "إن هذا المعيار الاجتماعي ظاهرة جديدة نسبيًا وسبب رئيس لارتفاع سن الزواج". وتبيّن الدراسة أن المرأة العربية تقترب من التقليد السائد في أوروبا الغربية بتأخير سن زواجها. ولعل هبوط معدل الولادات هو السبب في استمرار الضغوط الرسمية على المتزوجين الشباب لزيادة الإنجاب من أجل بناء بلد أكبر سكانًا وأشد بأسًا بقواه البشرية. في هذا الإطار تأتي دعوة المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي يوم الخميس الماضي للمتزوجين الإيرانيين إلى إنجاب مزيد من الأطفال وزيادة سكان إيران من 80 مليونًا إلى 150 مليونًا "على أقل تقدير". وحذر خامنئي من أن البلدان التي تتسم بارتفاع معدلات الشيخوخة تواجه مصاعب جمة في تنمية اقتصاداتها ورفع مستوى معيشتها. أعباء مضافة تأتي المرأة الإيرانية في المركز 146 في معدل الخصوبة العالمي بإنجاب 1.86 طفل في المتوسط خلال زمن حياتها، بحسب كتاب الحقائق العالمي، الذي تنشره سنويًا وكالة المخابرات المركزية الأميركية. وقال صندوق الأممالمتحدة للسكان في أحدث تقرير نشره قبل أيام إن الإنجاب المبكر انخفض عالميًا خلال العقود الأخيرة. لكن الصندوق حذر في تقريره الإحصائي السنوي عن سكان العالم في 2013 من أن إنجاب 7.3 مليون طفل يولدون سنويًا لأمهات في سن المراهقة ما زال يشكل عبئًا ثقيلًا على الخدمات الصحية واقتصادات البلدان النامية.