خلال قمة اقتصادية للزعماء العرب في الرياض الأسبوع الماضي دعا ولي العهد السعودي إلى زيادة رأسمال صندوق لإقراض مشروعات التنمية في أنحاء المنطقة ما لا يقل عن 50 بالمئة. وقال الأمير سلمان بن عبد العزيز إن المملكة العربية السعودية مستعدة لدفع حصتها في أي زيادة لرأسمال الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي الذي مقره الكويت ويبلغ حجمه حالياً ملياري دينار كويتي (7.1 مليار دولار). وينبئ هذا التعهد بتحول في طريقة توظيف دول الخليج العربية لمئات مليارات الدولارات التي تحققها سنوياً من صادرات النفط إذ أنها أصبحت تستخدم مزيداً من الأموال داخل دولها والمنطقة بدلاً من استثمارها بشكل تلقائي في الأسواق الغربية. وقال شوكت حمودة الاقتصادي السابق في منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول ومقرها الكويت والذي يدرس تدفقات أموال النفط في جامعة دريكسل بالولاياتالمتحدة إن الأمر يخضع لعوامل جاذبة وأخرى طاردة. فقد دفعت الأزمة الائتمانية الأمريكية في 2008-2009 وأزمة ديون منطقة اليورو في 2010-2012 دول الخليج إلى توخي مزيد من الحذر بشأن الاستثمار في الغرب بعد أن كان هو الوجهة التقليدية لمعظم أموال النفط. في الوقت نفسه، دفعت انتفاضات الربيع العربي على مدى العامين الماضيين إلى توجيه بعض أموال النفط إلى الشرق الأوسط. ومع من أن معظم دول الخليج لم تشهد احتجاجات خطيرة إلا أن الاضطرابات السياسية أقنعت زعماء الخليج بالحاجة لإنفاق مزيد من ثرواتهم لشراء السلام الاجتماعي في المنطقة. وتحدث التغييرات في تدفقات أموال النفط بشكل تدريجي. ولن تصبح الأسواق خارج الغرب عميقة بما يكفي لاستيعاب معظم أموال الخليج قبل عدة سنوات. وربط عملات الدول الخليجية بالدولار الأمريكي يجعل شراءها للأصول الدولارية أمراً منطقياً. ولكن تغير وجهة هذه الأموال قد يؤدي في نهاية الأمر إلى تباطؤ الأسواق الغربية التي تمتعت على مدى عقود بتدفقات الأموال من الخليج. وقد تعمل أموال النفط أيضاً على التقريب بين الدول العربية دبلوماسياً وهو هدف تنادي به الحكومات منذ عقود لكنها تواجه صعوبة في تحقيقه بدون تكامل اقتصادي. وقال حمودة "التغييرات في توزيع وفورات النفط لها تداعيات على استقرار الأسواق المالية العالمية والتجارة العالمية". وبفضل أسعار النفط العالمية المرتفعة، يعوم الخليج على بحر من أموال النفط. وأحد مقاييس ذلك هو ميزان المعاملات الجارية للمنطقة بأكملها الذي يشير إلى فائض في تجارة السلع والخدمات. وسجلت دول مجلس التعاون الخليجي الستة -وهي السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت والبحرين وعمان- فائضاً قياسياً قدره 350 مليار دولار تقريباً العام الماضي أي ما يزيد 80 بالمئة على الفائض الصيني وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي. وتودع الإيرادات التي تحققها الصناعات النفطية المملوكة للدولة في منطقة الخليج تقليدياً في البنوك المركزية التي تستثمر جزءاً كبيراً منها في أدوات دولية آمنة مثل سندات الخزانة الأمريكية. ويتم إرسال جزء من الأموال إلى صناديق الثروة السيادية التي تنشط في الاستثمار في الأصول الأجنبية. وينتهي المطاف ببعض هذه الأموال للاستخدام في الإنفاق الحكومي. ومع أن تدفقات أموال النفط إلى الأسواق الغربية لم تتوقف، إلا أنه ظهرت علامات على أن جزءا أكبر من الأموال يتجه إلى وجهات أخرى. وتظهر أحدث بيانات الخزانة أن حيازات مصدري النفط الآسيويين - وهي مجموعة تهيمن عليها دول مجلس التعاون الخليجي - من الأوراق المالية الأمريكية طويلة الأجل بلغت 426.5 مليار دولار في سبتمبر/أيلول الماضي ارتفاعاً من 345.9 مليار دولار قبل عام. وبالرغم من أنها زيادة كبيرة بالقيم المطلقة إلا أنها تمثل جزءاً ضئيلاً من فائض ميزان المعاملات الجارية لدول مجلس التعاون الخليجي. ووفقاً لبيانات الخزانة الأمريكية، استقرت الالتزامات المصرفية الأمريكية لمصدري النفط الآسيويين - وهو مؤشر للودائع الخليجية في البنوك الأمريكية - عند نحو 130 مليار دولار العام الماضي بعد نمو مطرد في معظم السنوات العشر الماضية. وبسبب السرية التي تحيط بالبنوك المركزية وصناديق الثروة السيادية في الخليج، لا توجد بيانات شاملة بشأن استثمارات مجلس التعاون الخليجي في أوروبا. لكن مسؤولين في بنوك تجارية في الخليج يقولون سراً إنها أقل من استثماراته في الولاياتالمتحدة وإنها تباطأت في السنوات القليلة الماضية في ظل أزمة منطقة اليورو. وبدلاً من توجيهها إلى الغرب، تتجه بعض أموال النفط إلى دول عربية أخرى في محاولة لدعم اقتصاداتها واستعادة الاستقرار السياسي بعد الربيع العربي. فمثلاً قدمت قطر والسعودية مساعدات مالية لمصر قيمتها الإجمالية تسعة مليارات دولار منذ الثورة المصرية التي قامت أوائل 2011. وتتدفق المساعدات أيضاً من الدول الأكثر غنى إلى الدول الأكثر فقراً داخل مجلس التعاون الخليجي فقد وعد المجلس كلاً من البحرين وعمان بعشرة مليارات دولار على مدى عشر سنوات. وقال أيهم كامل محلل الشرق الأوسط لدى مجموعة أوراسيا للاستشارات ومقرها نيويورك إنه بالإضافة إلى المساعدات الرسمية يتوقع أن تحث الحكومات الخليجية رجال الأعمال البارزين في بلدانها على استثمار المزيد في البلدان العربية التي تحتاج لذلك. وقال بعد القمة التي عقدت في الرياض الأسبوع الماضي "يأمل الزعماء العرب أن يتمكنوا من استخدام صناديق الثروة السيادية وأذرع الاستثمار الحكومية لزيادة التعاون الإقليمي". ويتطلب الإنفاق الداخلي أيضاً مزيداً من الثروة النفطية الخليجية. فالإنفاق العسكري يتزايد وهو ما يرجع جزئياً إلى التوترات المتعلقة ببرنامج إيران النووي. وارتفع الإنفاق الدفاعي لدول مجلس التعاون الخليجي نحو تسعة بالمئة إلى 74 مليار دولار العام الماضي وفقاً لتقديرات نيكول لوسر محللة الشرق الأوسط لدى فوركاست إنترناشونال للاستشارات ومقرها الولاياتالمتحدة. وتتوقع لوسر أن الرقم سيصل إلى 86 مليار دولار في 2017. غير أن هذه المبالغ تتضاءل أمام إنفاق دول الخليج المتزايد على الرعاية الاجتماعية وخلق فرص العمل للمحافظة على السلام الاجتماعي والإنفاق على تطوير القطاعات غير النفطية من الاقتصاد للحد من إمكانية تأثرها بهبوط أسعار النفط. وقالت الحكومة السعودية الشهر الماضي إنها تخطط لإنفاق قياسي قدره 820 مليار ريال (219 مليار دولار) في 2013 بزيادة 19 بالمئة من 690 مليار ريال محددة في موازنة 2012. ويدفع الإنفاق المتزايد السعودية ودول مجلس التعاون الأخرى إلى نقطة لن يسجلوا عندها فوائض في الميزانية حتى في وجود أسعار النفط المرتفعة. وعند تلك النقطة قد يتعين إنفاق معظم أموال النفط في الداخل بدلاً من استثمارها في الخارج. ويتوقع محللون استطلعت رويترز آراءهم أن تحتاج السعودية إلى 82.50 دولار سعراً لبرميل نفط برنت هذا العام لتحقيق التعادل بين إيراداتها ومصروفاتها. وهذا أقل كثيراً من سعر السوق الحالي 110 دولارات لكنه أعلى كثيراً من 74.80 دولار في العام الماضي. غير أن وزير المالية السعودي إبراهيم العساف أوضح خلال قمة الرياض أنه لا يشعر بضغط لإبطاء وتيرة الإنفاق. وقال للصحفيين "لدينا الاحتياطيات ونعمل على خفض ديوننا إلى الصفر تقريباً. لذا نستطيع الاستمرار في المدى المتوسط بل وأبعد من ذلك".