أكد الدكتور مازن بن عبدالرزاق بليلة عضو مجلس الشورى وعضو اللجنة المالية بالمجلس أن فاجعة الأربعاء التي ضربت مدينة جدة مؤخراً، كشفت هشاشة التقارير السنوية للوزارات وتستر بعض المسؤولين بحجب ماضي من كان قبلهم على الكرسي. وقال: إن الحديث عن عدم توفر الاعتمادات المالية لتنفيذ المشاريع حجة واهية مرفوضة ومردودة، متسائلاً عن 11.2 مليار ريال أنفقت على مشاريع الصرف الصحي وتصريف السيول في جدة وحدها. وأوضح أن المجلس تداول تكوين هيئة وطنية عامة لنجدة الكوارث تكون مستعدة لأعمال الإغاثة الفورية. وشدد على ضرورة الإسراع بإعلان قيام الهيئة الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وتعيين رئيسها، ونوابه، وكافة الأجهزة الإدارية والفنية التي تحتاج لها، لتباشر عملها بكل كفاءة واقتدار تحقيقاً لرغبة ولي الأمر وتطلعات المواطنين لمزيد من الشفافية والرقابة والمحاسبة. فإلى نص الحوار: هشاشة التقارير السنوية * أين يكمن الخلل برأيكم في كارثة جدة وهل سبق للمجلس مناقشة حاجة تلك الأحياء إلى خدمات الصرف الصحي ؟ - الحاجة للصرف الصحي، وتصريف السيول، لا يخص تلك الأحياء المنكوبة، بل يتعلق بكل مدينة جدة، وكل مدن المملكة، وما يصل للشورى حول اكتمال البنى التحتية، هو تقارير وزارة الشؤون البلدية والقروية السنوية، التي تعد وفق المادة 29 من نظام مجلس الوزراء، وكلها كانت تؤكد لنا في الشورى أن المشاريع الإنمائية للإصلاح وبناء الخدمات العامة، ومنها خدمات الصرف الصحي تسير وفق جدول زمني معد لذلك، ولإبراء الذمة ففي كل أزمة توجد بداخلها كما يقال بذور الإصلاح، فقد كشفت لنا الفاجعة هشاشة التقارير السنوية للوزارات. وأذكر هنا عندما تعين الدكتور عبدالعزيز خوجة وزيرا للإعلام، واطلع على نقد الشورى لتقرير وزارته، قال لو كنت مكانهم لفعلت أكثر من ذلك، مما يدل على أن طرق إعداد وكتابة التقارير السنوية تحتاج إلى إصلاح، بحيث ترفق فيها الأمور التالية: القوائم المالية لكل المشاريع المنفذة، رأي الطرف الثالث وهو الجمهور ومدى رضاه عن الخدمات التي قدمت له، بيان مؤشرات الأداء الذي صدر به مرسوم ملكي من مجلس الوزراء. كشف تستر المسؤولين * وكيف يمكن تحديد المسؤولية في مثل هذه الحالة إذا كان الخلل محصلة أخطاء متراكمة لأكثر من مسؤول؟ ** من محاسن هذه الأزمة، إن كان للأزمات محاسن، أنها كشفت لنا تستر المسؤولين بحجب الماضي لمن كان على الكرسي قبلهم، لذلك ينبغي لكل مسؤول يعين على منصب، أن يبرئ ذمة من سبقه، فعليه الا يتخذ حجة “أن هذه أخطاء من كان قبلي”، وأن يتسلم تركة من سبق راضيا، بحيث يبدأ من حيث انتهى. الأمانة المتهم الأول * ومن هي الجهة التي تتحمل المسؤولية في ما يتعلق بمشكلة الصرف الصحي ومجاري تصريف السيول؟ ** الذي يعقد هذه المشكلة أنها تقع في دائرة اهتمام ومسؤولية العديد من الجهات، (وزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة المياه والكهرباء، ووزارة المالية، وهيئات ومصالح الصرف الصحي في كل محافظة، والإمارة نفسها، ووزارة النقل المسؤولة عن الخطوط السريعة والكباري والجسور التي تلف المدن فيما يسمى الخطوط الدائرية)، لكن من الثابت لدينا أن المتهم الأول هنا هو أمانات المدن، على اعتبار أنها هي من يملك مراجعة، ومتابعة التنفيذ لهذه الشبكات، مع كل جهات الاختصاص المذكورة أعلاه، وهي من يملك إعطاءهم التراخيص بالعمل، وهي من يملك وضع أوليات التنفيذ وأوليات المناطق حسب ما تراه، وهي التي تقرر المسؤولية في كيفية التصريف الأخير لها. والتعقيد الآخر في موضوع التصريف الصحي وفتح مجاري السيول في جدة بالذات، أنه تعرض لعدد من المسؤولين، كانوا مختلفين على أهميته، و أولية الاستثمار فيه، والثابت هنا هو أن المواطن كان الضحية الأولى وهو الذي دفع ضريبة كل ذلك. هيئة وطنية للكوارث * يقوم مجلس الشورى بإعداد الكثير من الدراسات وعرضها على مجلس الوزراء ليتم اعتمادها من القيادة ومن ثم البت في إقرارها، هل من دراسات جديدة او اقتراحات بهذا الشأن ستخرج من المجلس بعد وقوع كارثة جدة؟ - في ما يخص خروج دراسات واقتراحات بعد فاجعة جدة، فإن أكثر ما تم تداوله، وتأكيده من عدد من أعضاء المجلس، على رأسهم الدكتور مجدي حريري، الدكتور عبدالله الحربي، والدكتور عبدالملك الخيال، هو تكوين هيئة وطنية عامة لنجدة الكوارث، وذلك بعد ان تكررت الكوارث في العيص، وجدة، وجازان، وفي مثل هذه الأحوال تكون الهيئة مستعدة لأعمال الإغاثة الفورية، وهي تختلف عن الدفاع المدني الذي يباشر أعمال الحوادث التي يتسبب فيها المواطن، من حرائق وتسمم وغيرها من الحوادث الداخلية، أما الكوارث والفواجع فهي تحتاج إلى قدرات وإمكانانيات وتأهيل وخبرات أكبر بكثير مما هو متوفر للدفاع المدني حالياً. التشخيص أولا * هناك الكثير من الاقتراحات التي طرحت عبر وسائل الإعلام لإنهاء أزمة الصرف في جدة، برأيك ما هي الحلول الجذرية لمنع تكرر الكارثة؟ - في ما يخص فاجعة جدة، فقد أحسن خادم الحرمين الشريفين، بتشكيل لجنة الاستقصاء والتحقيق، وفيها كوكبة من القيادات الحازمة، والمؤتمنة على أرواح وممتلكات المواطنين، وتوجت برئاسة شخصية فذة، وبدون شك سيكون لها أكبر الأثر في إحقاق الحق، وبيان الأخطاء، ومحاسبة المقصرين، وتعويض المتضررين، وإبراء ذمة المفقودين، ورضا المواطنين وطمأنة ضمائرهم، لذلك لا يمكن وصف حلول مبتسرة لأزمة جدة قبل تشخيص المرض،. وعموما يظل كشف ومحاسبة المقصرين، غاية كل مخلص لوطنه، ولكن ذلك لا يقلل من أهمية البحث عن الحلول المتوفرة، فعلاج مشكلة جدة يتنوع بين حلول آنية عاجلة، يمكن تسميتها بالحلول الإغاثية، التي تكفل إنقاذ الممتلكات، والبحث عن المفقودين، وإعاشة المتضررين، وصرف التعويضات المالية بدون تأخير لكل مستحقيها، وهناك حلول فنية بيئية طويلة الأجل، تشمل فتح مجاري السيول، وإكمال شبكات الصرف الصحي، وتجفيف بحيرة المسك، والنوع الثالث هو الحلول الإدارية والضوابط الإصلاحية، التي تضمن كسر احتكار السلطات في الأمانة، عن طريق رفع صلاحيات المجالس البلدية، لتكون لها أجهزة رقابية واستشارية، تستطيع أن تقيّم وتحاسب وتتابع وتراقب وتعتمد وترفض مشاريع الأمانات، وفق المعايير المهنية المعروفة عالميا، وهنا يشترط عدم تولى أمين المدينة رئاسة المجلس البلدي، لأنه لا يمكن الجمع بين منصبي التنفيذ والرقابة في شخصية واحدة. 11 مليارا أين ذهبت؟ * تأخر وانعدام في المشاريع بعدد من المدن في حين نرى المسؤولين يتنصلون من مهامهم تجاه توفير الخدمات بضعف الاعتمادات المالية؟ ما هو دوركم في هذا الجانب؟ - الشكوى من عدم توفر الاعتمادات المالية، كانت حجة أمانة جدة في كل محفل، ولكن رد وزارة المالية المنشور إثر تداعيات الأزمة، يدحض هذه الحجج الواهية، حيث أوضحت وزارة المالية أن ما أنفق على مشاريع الصرف الصحي وتصريف السيول في جدة وحدها بلغ 11,2 مليار ريال، وهو مبلغ أكبر بكثير مما صرف للرياض، وهي المدينة الأكبر في المساحة والسكان، وأكبر من المعدلات العالمية للصرف على هذه المشاريع، مما لا يدع أمامنا أدنى شك، بأن حجة عدم توفر الاعتمادات المالية لا تنطبق على فاجعة جدة. وبشكل عام، فشكوى الجهات التنفيذية من نقص الاعتمادات، واتهام وزارة المالية بالبخل، ليس بالأمر الجديد، وهو أمر يتكرر في كل وزارة أو مصلحة مالية، بصورة أو بأخرى، والعبرة ليس في وزارة المالية، بل في المسؤول الذي يؤمن بمشروعه، وجدواه الاقتصادية والاجتماعية، الإيمان الذي يجعله يتحمس للدفاع عنه، وشرح وجاهة فكرته، والعمل على إقناع كل مسؤول بأهميته للمواطنين، وبتوفير كل الشروط والمتطلبات والبيانات التي تطلبها وزراة المالية لقبول المشروع. تفعيل الأداء الرقابي لمكافحة الفساد * ألا ترى انه يجب أن تكون هناك هيئة رقابية متخصصة لمكافحة الفساد ومحاسبة المقصرين أمام الملأ؟ - الهيئات الرقابية المتخصصة لمكافحة الفساد، موجودة ولكنها غير فعالة، أو لا تغطي كل الألاعيب والحيل، فهناك هيئة الرقابة والتحقيق، وديوان المراقبة العامة، وهيئة التحقيق العام، والمباحث الإدارية، وهناك نظام أقر في مجلس الشورى قبل عامين، ينص على إنشاء هيئة وطنية عامة لمكافحة الفساد، والحمد لله، في الأول من شهر صفر من العام الهجري 1428 أقرَّ مجلس الوزراء حيثيات وبنود الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، والتي كانت ترجمة صادقة لتوجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، في إطار برنامجه الإصلاحي والتطويري الشامل. وما نرجوه أن نسرع اليوم بإعلان قيام الهيئة الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وتعيين رئيسها، ونوابه، وكافة الأجهزة الإدارية والفنية التي تحتاج لها، فالنظام موجود، والإستراتيجية موجودة، والفكرة ولدت، ولم يبق سوى تسمية الأشخاص، لتقوم وتعمل بكفاءة، وتحقق مراد ولي الأمر وتطلعات المواطنين لمزيد من الشفافية ومزيد من الرقابة والمحاسبة، ومن الأفضل أن نستفيد من فاجعة جدة، لنأخذ الجانب الإيجابي لها، وهو صدور قرارات جذرية مهمة، فإن كان تأخير تسمية مسؤولي هيئة مكافحة الفساد، لأسباب مالية، أو توفير الإمكانيات اللازمة لهم، فإنه من الواجب اليوم، تخطي كل العقبات التي تؤخر مباشرة الهيئة لأعمالها، فنحن أحوج ما نكون لها اليوم، ومباشرة العمل بها سوف يخفف مصاب وألم كل مواطن. ضعف الإشراف الفني *بدا الخلل والقصور واضحاً في تنفيذ بعض المشاريع بمدينة جدة وبعض المدن الأخرى بسبب قلة الخبرة وضعف الإمكانيات أحياناً، الا ترى انه يجب ان يتم اسناد المشاريع لشركات عالمية بهدف الحصول على الجودة وسرعة التنفيذ؟ - إن ظهور الضعف في مشاريع حيوية بجدة ومدن أخرى، يدل على ضعف الإشراف الفني ولا يدل على ضعف المقاولين، فهناك مشاريع ومنشآت نفذت حديثاً، بمعايير وشركات عالمية، تضررت من مياه السيول بدرجة ملفتة، وهناك الكثير من المشاريع الدولية قامت بتنفيذها شركات ومؤسسات وطنية، فالعيب ليس في المحلية أو العالمية العيب في إغفال دور الإشراف الفني الدقيق، فالمشرف يحدد المواصفات، ويطبق المعايير، ويحاسب الجهات المنفذة، ويجبرها على الالتزام بكل ما ورد في العقد، بما يضمن سلامة وأمن المستخدمين من المواطنين، إضافة الى أن جهات كثيرة تعمد، إلى التأمين على هذه المشاريع الكبرى، بحيث تتدخل شركات التأمين من جانبها للتأكد من سلامة وقوة المنشآت المؤمن عليها.