فجرت منظمة هيومن رايتس ووتش مفاجأة كبيرة باتهامها قوات الزعيم الليبي معمر القذافي باستخدام قنابل عنقودية مصنوعة في إسبانيا ضد مدينة مصراتة التي يسيطر عليها ثوار ائتلاف 17 فبراير لتفتح هذه الاتهامات جدلا كبيرا في تاريخ التعاون الغربي وخاصة الإسباني مع النظام الليبي. وكما هو معروف، سارع نظام القذافي -ما إن تم رفع العقوبات الدولية عن ليبيا عام 2003- لإبرام عدد ضخم من صفقات التسليح اقتنى بموجبها عددا كبيرا من الطائرات العسكرية والسلاح والعتاد الحربي. ولم تنشر تفاصيل بشأن صفقات التسلح التي تم التوقيع عليها بعد زيارة القذافي إلى مدريد في العام 2007، بيد أن إحصاءات التجارة الخارجية تؤكد أن إسبانيا صدرت إلى ليبيا كميات من العتاد الحربي عام 2008 بقيمة 3.8 ملايين يورو في إطار التزامات وقعت عام 2007 وتضم هذه الأسلحة قنابل وصواريخ وطوربيدات وأغلبها صدر من آراغون حيث مقر شركة "إنستالاثا" المصنعة للسلاح. قنابل إسبانية بيد أن منظمة هيومن رايتس ووتش نشرت قبل أيام على موقعها على الإنترنت صورا لبقايا شظايا من قنابل عنقودية قالت إن الكتائب الأمنية الموالية للقذافي استخدمتها في حي الشواهدة بمدينة مصراتة في ليلة الرابع عشر من أبريل/نيسان الجاري. ومن المتوقع أن تجر هذه الاتهامات الحكومة الإسبانية إلى حرج دولي ليس فقط بسبب الطبيعة الدموية لنظام القذافي، وليس لأنها تشارك حاليا ضمن التحالف العسكري الذي يراقب الأجواء في إطار عملية فجر الأوديسا، بل لأنها وقعت في السابق على مدونة السلوك الخاصة بالاتحاد الأوروبي القاضية بامتناع الدول الأعضاء عن بيع الاسلحة إلى بلدان لا تحترم حقوق الإنسان. ويرى الناطق باسم منظمة العفو الدولية أن المشكلة هي أن تلك المدونة وإن كانت لا ترقى إلى مرتبة القانون الملزم تبقى مرجعية أخلاقية منتقدا تناقض مواقف وسلوك الحكومة الإسبانية التي تدعم مشروع الاتفاقية في الأممالمتحدة لكنها مستمرة في بيع الأسلحة ليس فقط لليبيا، بل إلى إسرائيل ومصر وتونس والمغرب أيضا. ولم تعترف الحكومة الإسبانية حتى الآن بمسؤوليتها عن وصول القنابل العنقودية إلى النظام الليبي، بل إن متحدثا باسم وزارة التجارة الخارجية الإسبانية قال لصحيفة إلباييس إن الكميات التي يحتمل أن يكون تم تصديرها من إسبانيا من هذا السلاح صدرت قبل توقيع المعاهدة الدولية التي بادرت إسبانيا من جانب واحد إلى توقيعها في يوليو/تموز 2008. وكانت إسبانيا قد تعهدت منذ العام 2008 بتدمير ذخيرتها من القنابل العنقودية، وأكدت أنه بحلول يونيو/حزيران 2009 سيتم تدمير أكثر من خمسة آلاف وخمسمائة قنبلة عنقودية بينها أربعة آلاف وستمائة قذيفة هاون مصنوعة في إسبانيا وستمائة قنبلة عنقودية أميركية، وقالت إنها لن تحتفظ سوى بعدد يسير من تلك القنابل لأغراض تدريب مهندسيها وخبرائها العسكريين العاملين في هذا المجال. وينتظر أن يتصاعد الجدل داخل الدوائر الإسبانية والغربية بشأن ما إن كانت إسبانيا تورطت بالفعل في بيع قنابل عنقودية لنظام القذافي، علما بأن نفس الفترة التي بدأت فيها إسبانيا بالتخلص من مخزونها من تلك القنابل هي نفسها الفترة التي تحسنت فيها العلاقة مع القذافي. وكان رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس ثاباتيرو قد اعترف الشهر الماضي أمام البرلمان بوجود بعض عقود أسلحة مع النظام الليبي وإن أكد على احترامها للمقاييس والأعراف الدولية في مجال الصفقات العسكرية، وعلى أنه تم إلغاؤها بشكل نهائي بعد الأحداث التي عرفتها ليبيا في الشهرين الأخيرين. وإن صح ما ذهبت إليه بعض المصادر الإسبانية من نفي حصول القذافي على قنابل عنقودية من طرف الحكومة، فإن الاحتمال الوحيد –في ظل تأكيد وجودها واستخدامها من طرف هيومن رايتس ووتش- هو أن القذافي حصل عليها بشكل غير رسمي عن طريق دول ما زالت تحتفظ بصداقاتها وعلاقاتها الطيبة معه، وهي دول يرتبط أغلبها بعلاقات حسنة مع الإسبانيين ولا يستبعد أن تكون قد حصلت عليها بشكل رسمي من مدريد قبل توقيع معاهدة حظر بيع واستخدام تلك القنابل.