أعادت واقعة تنصت وكالة الأمن القومي الأمريكية على الاتصالات الهاتفية في فرنسا إلى الأذهان حالات التنصت الأمريكي على دول عدة، من بينها المكسيك والبرازيل وألمانيا وأستراليا، بلاضافة إلى التنصت على الداخل الامريكي. وقام الأمريكيون باعتراض 70.3 مليون مكالمة هاتفية لصحفيين وسياسيين فرنسيين بين العاشر من ديسمبر 2012 والثامن من يناير 2013، الأمر الذي دفع باريس إلى الخروج عن صمتها، بعد أن كانت أقل اهتماما من جارتها ألمانيا أو حتى البرازيل في انتقاد برنامج التجسس الواسع لوكالة الأمن القومي الأمريكية، بحسب صحيفة"لوموند". وقالت الخارجية الفرنسية، إنه "سيتم التطرق الى القضية مجددا اثناء اللقاء الذي سيعقده وزير الخارجية الفرنسي صباح غد الثلاثاء في باريس مع نظيره الأمريكي جون كيري". ورغم استدعاء وزير الخارجية الفرنسي للسفير الأمريكي في فرنسا، كردة فعل تعكس الغضب الفرنسي، إلا أن الثمن الذي دفعته الولاياتالمتحدة في واقعة مماثلة كان أكبر، حينما علّقت ديلما روسيف، الرئيسة البرازيلية الشهر الماضي زيارتها الى الولاياتالمتحدة بعد كشف معلومات حول التجسس الأمريكي على اتصالاتها الخاصة واقرب معاونيها وعلى اتصالات شركات كبرى مثل "بتروبراس"عملاق النفط البرازيلية، ووعد الرئيس باراك اوباما حينها بفتح تحقيق حول المسالة. وكانت تقارير سابقة ذكرت أن وكالة الأمن القومي الأمريكي اعترضت اتصالات بين الرئيس المكسيكي الحالي "انريكي بينا نييتو" وبين الرئيسة البرازيلية "ديما روسوف" قبيل انتخاب نييتو. وعلق وزير الخارجية المكسيكي: بالقول "إن هذا النوع من التجسس غير مقبول وغير قانوني، مضيفًا أن هذا الأمر مناف للعلاقات الصديقة بين البلدين". وكشفت مجلة "شبيجل" الألمانية في وقت سابق عن أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية تجسست على رسائل الكترونية للرئيس المكسيكي السابق فيليبي كالديرون، ما استدعى الحكومة المكسيكية الأحد الماضي لطلب ايضاحات من واشنطن. كان ذلك استنادًا الى الوثائق التي كشفها إدوارد سنودن، أحد موظفي وكالة الأمن القومي الأمريكية السابقين، والذي قام بتسريب تلك المعلومات للصحافة وأوضح أن الوكالة تجسست على اتصالات الحكومة المكسيكية طيلة سنوات عدة. ولم تنجُ ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي من حملات التنصت الأمريكي، حيث حصلت المجلة الألمانية في وقت سابق من هذا العام على وثيقة "سرية للغاية" تعود لعام 2010 لوكالة الأمن القومي الأمريكية تثبت تنصتها على البعثات الدبلوماسية التابعة للاتحاد الاوروبي في واشنطن والامم المتحدة واختراق حواسيبها وتجسسها على أكثر من 500 مليون اتصال شهريا من الولاياتالمتحدة الى ألمانيا. وفصلت المجلة عمليات التنصت بالقول ان الاوراق التي اطلعت عليها تشير الى ان السلطات الأمريكية تنصتت في المتوسط على 20 مليون مكالمة في اليوم وعلى 10 ملايين رسالة الكترونية مضيفة ان الوكالة راقبت في ليلة عيد الميلاد عام 2012 مايقارب 13 مليون مكالمة هاتفية الى ألمانيا وان هذا العدد وصل في السابع من يناير 2013 الى 60 مليون مكالمة. واستغربت المجلة الألمانية من أن الولاياتالمتحدة تعتبر ألمانيا شريكا بينما تعتبرها ايضا هدفا لهجمات تنصت مؤكدة ان وكالة الأمن القومي الأمريكية لا تستثني من عمليات التنصت سوى كندا وأستراليا وبريطانيا ونيوزلندا. وفي سبتمبر الماضي، كشفت تقارير اخبارية هندية عن قيام وكالة الأمن القومي الأمريكية بزرع أجهزة تنصت متطورة للتجسس على البعثة الدبلوماسية الهندية في الولاياتالمتحدة والأمم المتحدة، ولكن لم يذكر متى وكيف جرى زرع أجهزة التنصت أو كم البيانات التي اخترقت من المكاتب الهندية بيد أن جميع المكاتب كانت على "قائمة الأماكن المستهدفة بأجهزة التنصت"، وحينها أعرب سيد أكبر الدين، المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية الهندية عن قلقه إزاء تلك التقارير، مؤكدًا أن بلاده ستثير القضية مع المسؤولين الأمريكيين. ولم تكتف الإدارة الأمريكية على التنصت على البعثات الدوبلوماسية ورؤساء الدول بل وصلت إلى الداخل الأمريكي من خلال التنصت على هواتف الصحفيين الأمريكيين فقد اتهمت وكالة أسوشييتد برس للأنباء الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بانتهاك حرية التعبير التي يكفلها الدستور، وذلك بسبب تنصت وزارة العدل الأميركية على هواتف إعلاميين. وقال رئيس الوكالة الأمريكية غاري برويت، السبت الماضي: "إن تنصت الوزارة على هواتف مخصصة لمراسلين في وكالته هو أحد اكبر الانتهاكات الصارخة للتعديل الأول للدستور". وأكد برويت خلال في اجتماع "جمعية الصحافة في البلدان الأميركية (سيب)" أن إدارة أوباما "كشفت مصادر معلومات بشكل لم تسبقها إليه أي من الحكومات السابقة". وقارن رئيس وكالة الأنباء بين بعض ممارسات الإدارة الأميركية وتلك التي تمارسها أنظمة استبدادية، وذلك في كلمته في إطار عرض بعنوان "حرية الصحافة مقابل الأمن القومي: الخيار الزائف". ودعا برويت إلى "الحذر من حكومة تحب كثيرا السرية"، مؤكدا أن الحكومات التي تحاول تخيير مواطنيها بين حرية الصحافة والأمن القومي إنما تحاول بكل بساطة خلق "معضلة زائفة". وجاء ذلك خلال الجمعية العمومية ل"جمعية الصحافة في البلدان الأميركية"، التي عقدت في مدينة دنفر بولاية كولورادو الأمريكية بمشاركة 300 من محرري الصحف ومديريها.