تمر المنطقة العربية بأحداث عصيبة وأزمات جسيمة، كانت بداياتها ثورات شعبية تطالب بالحقوق والكرامة، سُميت تلطيفاً بالربيع العربي، ولكنها انحرفت عن مساراتها بالتدخلات الخارجية، والمؤامرات السرية، والمطامع الشخصية، فتشكلت الأحزاب والجماعات، والكتائب والحركات، وأصبحت هناك دولة في بطن دولة، ورأي يتصادم مع رأي، فذبلت زهور الربيع وتساقطت أوراقه، ولا أحد يعلم - سوى الله - ما سوف تسفر عن هذه الانقلابات والتصادمات.. فهل تتشكل حكومات ديمقراطية أم استبدادية أم خلافة إسلامية؟! ولقد سهلت هذه الاضطرابات والأحداث الساخنة على إيران وضع دول الخليج العربي بين فكيها، فلها في سوريا ناب، وفي العراق أنياب، وفي اليمن "ضرس طاحن" بعدما أكلت جزءاً من الإمارات.. وإذا أبعدنا النظر نجد أن هناك تكتلات عالمية كالاتحاد الأوروبي ودول عظمى كالولايات المتحدةالأمريكية والصين وروسيا، فأصبح لا مكان للضعيف وصاحب الحجم الصغير ولو "طال لسانه"، لذلك فإن فكرة تأسيس اتحاد خليجي وطرحها على "الطاولة الخليجية" فكرة رائعة جداً، لمواجه الكبار واضطرابات المنطقة، فلقد حان الوقت لنبذ الخلافات وتوحيد الصفوف، وعدم التجسس على الجيران و"التحسس" منهم، كما تفعل "شرطية العالم" أمريكا، ومع أن دول الخليج العربي دول "آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان"، وتمتلك خيرات ومقدرات ضخمة، وتشهد أنظمتها السياسية استقراراً، إلا أنها بحاجة ماسة للاتحاد لتقوى شوكتها، وتُسمع كلمتها، وتحمي ثروتها، وتكبر في عيون الكبار، فالنفط قد لا يدوم، ودفاع أمريكا لن يستمر، فصاحب المصلحة تنتهي علاقته بك بانتهاء حاجته منك. إن الاتحاد مطلب وأمر ضروري وقرار يجب حسمه، سيوحد الصفوف، ويوحد القوة "فالاتحادُ قوّةُ الضِّعافِ" وسيوحد العملة والرأي السياسي ويعزز روح الأخوة، فالذي لا أخاً له "كساع إلى الهيجاء بغير سلاح ِ". كما أنه سيكون له تأثير إيجابي على الشعوب الخليجية في تيسير تنقلهم، وسيزيد فرص التوظيف "بخلّجنة" الوظائف –إن صح التعبير- وفوائده كثيرة من النواحي الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولا يحتاج ذلك إلاّ إلى إرادة قوية، فالتركيبة السكانية واحدة، والعوامل المشتركة كثيرة، وإذا لم يتفق الجميع على الاتحاد، فلتُشكل الدول المتفقة اتحاداً حتى يأتي اليوم الذي تنضم فيه بقية الدول، ولكم في الأوروبيين قدوة حسنة، فلقد بدأت تتكاثر دول اتحادهم فترة بعد أخرى حتى وصلت إلى 28 دولة، وعلى الرغم من تنوعهم الثقافي وتباعدهم وكثافتهم السكانية العالية، إلا أنهم استطاعوا تأسيس اتحاد متكامل ومتناغم ومتماسك، بل إنهم اتحدوا حتى زراعياً وفي الصيد البحري. وأتمنى ألاّ يكون الاختلاف حول المشروع الاتحادي وإخضاعه للدراسة المستفيضة، بسبب أمور هامشية مثل موقع الوزارات السيادية، أو من سيتولى المسؤولية الخارجية للاتحاد، أو خوفاً من إيران التي تهدد بإفشاله. وأخيراً.. أقول لدول الخليج: "اتفقوا .. تراصّوا .. سدوا الخلل" – يرحمكم الله – يوسف الميموني twitter.com/YOUSIFALMIMONY