منذ خلق الله تعالى الإنسان و هو في سعي حثيث عن الكمال ، حتى آدم - عليه السلام - لما أكل من الشجرة كان ذلك رغبة و طمعا في كمال الخلد و ملك لا يبلى ، و مما يشهد على هوس الإنسان بالكمال ظهور أصوات في وقتنا الحاضر تفكر و تطالب بوجود مراكز أبحاث لحل مشكلة الموت ، هذه الأصوات و إن كانت خافتة و تعد نشازا إلا أنها تُظهر و بجلاء المعنى الذي أتحدث عنه ، لكن الكمال لا يمكن تصوره إلا بمثل عليا يعرفها الإنسان بعقله ( الصدق ، الأمانة ، الجود ، الإثار ....... ) و على هذا يبدأ الإنسان في رسم خط الكمال بناء على تلك المثل . مازال الإنسان يرسم خط الكمال بنفسه و بعد التجربة و العمل يفشل في الوصول إليه ، ثم يعترف بفشله ، ويبدأ برسم طريق آخر ، وهكذا رسم لطريق الكمال يتبعه فشل ، و أقرب مثال على ذلك فشل طريق الإشتراكية ، التي نبذها الإنسان مع أنه دافع عنها فترة من الزمن . الغريب في الأمر أن الإنسان حينما يفشل في رسم طريق الكمال لا يعترف بخطئه في استخدام هذه الأدوات أساسا ، بل يرجع إليها ليرسم طريقا آخر ، و لو فكر الإنسان قليلا لوجد نفسه يعيش في وهم أدواته ( المثل ) حيث أن هذه الأدوات لا يمكن تحقيقها في الواقع ، و إمكانية تحقيقها وهم لا حقيقة له ، و كذلك الاعتماد عليها يعد إنكارا لإنسانيتنا و بشريتنا ، فالإنسان مركب من هذه المثل و ما يناقضها ( النفس الأمارة بالسوء ) و حينما يعتمد الإنسان على هذه المثل فقط فهو يتناقض مع نفسه و التناقض دليل على فشل أي مشروع يبنيه الإنسان بنفسه . سأذكر مثالا لتوضيح هذه الصورة ، هذا المثال نعيشه اليوم و له صوت مسموع ( الديموقراطية ) .. تعريف الديموقراطية باختصار : هي حكم الشعب لنفسه و أنه مصدر السلطات . حينما نريد تطبيق الديموقراطية على أرض الواقع بناء على تعريفها ، سيعترض عليك الديموقراطي ، محتجا بأن الديموقراطية يشترط لتطبيقها وجود أمة و شعب ( واعي ، منفتح ، متجرد عن الأنانية و عن حظوظ نفسه و فصيلته ، محب لغيره ..... و غيرها من المثاليات ) بمعنى لا بد من وجود شعب مثالي ، و العقل و الحس ينفيان و جود ذلك واقعيا ، فكل أمة أو شعب و من مبدأ بشريتنا و إنسانيتنا لابد و أن يوجد فيه و بنسبة عالية ذلك الصنف من الناس ( الصنف الغير المثالي الذي لا يحق له أن يكون ديموقراطيا ). و مما يزيد الطين بلة أن الديموقراطي حينما يقول بذلك الشرط و يجعله من أسس الديموقراطية فهو يشرع القهر ، أي أن كل شعب يجب أن يعيش مقهورا مسلوب الإرادة حتى يتصف بتلك المثاليات المستحيلة ، كذلك يجعل الشعب في دوامة من له الحق في تزكية الشعب ، أي من الذي يصدر الحكم على الشعب بأنه صار واعيا و صادقا و تخلى عن حظوظ نفسه و فصيلته ..... الخ مما سبق يجب على كل عاقل أن يؤمن بثلاث قواعد : الأولى : أن الإنسان مخلوق فضله الله تعالى على كثير ممن خلق و لكنه مع تفضيله يظل مخلوقا غير مثالي ، و أنه مهما اجتهد في كسب العلم و المعرفة يبقى جاهلا ( و ما أوتيتم من العلم إلى قليلا ) و لجهله هذا و عدم مثاليته يظل عاجزا و غير قادر على رسم طريق سعادته و راحته ، لهذا و من رحمة الله تعالى به بعث الله الرسل و النبيين – عليهم السلام – ليبينوا له طريق الحق . الثانية : أن طاعة الله تعالى و امتثال أمره هو السبب الحقيقي للراحة و السعادة ، و أن معصية الله تعالى و عدم الامتثال لأمره هو عين الشقاء ، آدم - عليه السلام – و بوساوس شيطانية أخطأ في اجتهاده بأن سعادته تكون بالأكل من الشجرة ، مع أن الله تعالى نهاه عن الإقتراب منها ، فصارت مخالفته لأمر الله تعالى سببا لشقائه بخروجه من سعادة الجنة إلى شقاء الأرض . الثالثة : أن الجهد البشري يبحث عن سعادة الإنسان في الدنيا ، أما التشريع الإلهي فيصِل بالإنسان إلى سعادة الدنيا و الآخرة . فهد بن عبدالعزيز الخويلدي