عندما نتأمل قصص وحكايات الكثير ممن اثرو العالم من حولنا وقادوا البشرية في مجالات عدة ومهن مختلفة ومشاريع رائدة سنجدهم يتمتعون بقوة التركيز وسحره , بل لو فكرنا ببساطة أكثر فعندما نراقب النماذج الايجابية والفاعلة والصاعدة والمميزة حولنا في محيطنا الصغير سوف نجهدهم يتمتعون بهذه الصفة والمازية الهامة التي كانت نقطة تحول لدى الكثيرين من حولنا. حيث التركيز المحدد على الهدف والوجهة والمسار في رحلة الحياة والابتعاد عن التشتت والتوسع المضر والغير مدروس الذي قد يجلب الضياع وقد يؤخر الكثير من الانجازات والاعمال ويربك عجلة الحياة والعمل ويجعلها في مهب الريح . عندما اواجه بعض الشباب واجدهم مهوسين بفكرة الجوكر وأن يكون الانسان قادراً على لعب الكثير من الادوار والأعمال في ذات الوقت والعمل لساعات طوال بلا حد أو عد أو تركيز أشفق عليهم كثيراً حيث فهمهم المشوه لفكرة الانجاز وأنهم يجب أن يكونوا فاعلين في كل الميادين والمجالات والفعليات والعلوم وهذا لا يقره عاقل ولا يقبله حكيم . لأنه النجاح بعد توفيق الله عزوجل مربوط بقوة التركيز أكثر غيره من وليس مربوطاً بكم نعمل من ساعة في اليوم أو كم من الادوار يمكنني أن أؤدي مهما كانت ضريبة ذلك على مستوى العبادات او المعاملات أو الصحة او الاسرة او العلاقات أو الاستقرار النفسي او الروحي فالنجاح في النهاية جد واجتهاد واقبال ولكن ارضيته الصلبة هي التوازان . والمرونة محمودة ولكنها ضمن الهدف العام ورسالتي ورؤيتي في الحياة وليس خارج هذه الدائرة فلا يمكنني أن أسلك طريق ثم في منتصفه أعود وأسلك طريق آخر حيث يعيش البعض حالة من الشتات الفكري والمهني وهذا جالب للتخبط والضياع في مسيرة الحياة . عندما اتحدث مع الناس اركز في حديثي معهم على معرفة هل من أمامي يعلم الى أين يسير وماهي الرؤية التي ينطلق نحوها حتى وإن كانت عامة , وفي المقابل عندما أجد لديه الكثير من الافكار ولكن لا يستطيع تحويلها لفرص أو لديه الكثير من الاهتمامات والمشاريع ولكن شتت وقته وانتباهه بينها , فلم يستطع أن ينطلق لواحد منها فهذا مؤشر خطير علينا أن نتداركه ونعالجه بسرعة وإلا كان تأثيره كبير علينا في المستقبل . كثيرُ من العظماء حولنا و أنت واحد منهم في المستقبل القريب بأذن الله كان لديهم قوة التركيز في أعمالهم وافكارهم وعندما يبدأون في عمل يجعلونه نصب اعينهم على الدوام حتى يتمونه على خير ونجاح وعلى الجانب المعاكس وهو السلبي الذي يبدأ العمل ثم يتوقف ليبدأ عملاً جديداً أو يهتم بموضوع ثم ينصرف عنه لموضوع آخر وهو لم يتم الأول ويدخل الانسان في دوامة كبرى هو من صنعها لنفسه بضعف صبره وتحمله وقلة تركيزه وتخبطه الكبير هنا وهناك . كان الشافعي رحمه الله يعلم طلابه قوة التركيز حين قال " اعرف كل شيء في شيء" ( أي في تخصصك ) "واعرف شيء عن كل شيء" ( أي في العلوم والمعارف العامة والتجارب الحياتية والثقافة الواسعة ) وهي نصيحة من ذهب يخرج معها طالب العلم متقنا ً لعلمه بقوه ومنفتحاً على العلوم والمعارف الاخرى ويكون قد عاش العمق والتوازان والإحاطة معاً . ولذلك يؤكد بعض الخبراء في فنون القراءة أن تكون القراءة في تخصصك الدقيق تشكل 50% من قراءاتك على الأقل والباقي في التخصصات الأخرى وعندها سوف يحس الانسان بقوة في الفكر والعلم والمرجعية , حيث حضي بالعمق والتركيز في علمه ولم يغفل عن متابعة العلوم الاخرى التي تهمه ايضاً إما لهواية او حاجة عارضة او ثقافة عامة أو سعة أفق أو لكسب شمولية في الفهم والفكر والإدراك . وهنا اشير أن رحلة الحياة قصيرة فمن الظلم أن تضيع بلا تركيز على هدف أو غاية أو مشروع أو توجه ,خصوصاً إذا كانت هذه الوجهة في الحياة تنطلق مما نحب وما نتقن وهذان من أهم شروط الابداع والتألق والاتقان بالإضافة إلى أن هذا المسعى فيه خير للمجتمع والأمة وهذا نور على نور . من أجمل القوانين في قوة التركيز هو قانون 20/80 هو قانون مهم لو أدركناه لتخلصنا من الكثير مما يضيع أوقاتنا وجهودنا وأعمالنا وأقبلنا على ما يجلب لنا الصحة والسعادة والعلم و المال والرضى الداخلي والاستقرار النفسي والطمأنينة الروحية والعمل الصالح . يفترض هذا القانون أن 20 % من الأعمال والعلاقات والأوقات والمشاريع والاهتمامات تجلب لنا 80 % من المنفعة المتحققة لنا بحول الله وقوته . وهو من القوانين المؤثرة على مستوى العالم ويسمى قانون القليل يأتي بالكثير ومن هذا القانون نتعلم أولاً اكتشاف الاشياء المجدية والهامة في حياتنا ونركز عليها وهي على الاغلب تكون 20 % من مجمل الاهتمامات والأعمال والصداقات والافكار والممارسات والمشاريع التي نقوم بها ثم نقوم بالتركيز عليها والانطلاق منها في خطواتنا نحو المستقبل . والتوقف تماماً عن كل ما يضيع الوقت أو الجهد من العلاقات الغير مفيدة أو الاعمال الهامشية أو الغير مهمة أو الغير مجدية أو ربما الضارة . والتركيز على الأعمال والمشاريع والعلاقات والأفكار النوعية والمهمة والتي نراهن عليها في المستقبل لو اخلصنا النية واتقنا العمل وانطلقنا نحو الهدف بتركيز بعيداً عن التردد أو ضعف إدارة الذات أو الملهيات والسفاسف ومضيعات الوقت والتوافه . إن ما تقدم لا يعنى ألا يكون لدينا أعمال تطوعية أو هوايات أو أعمال خيرية أو اهتمامات مختلفة ومتنوعه أو مواهب متعددة بالعكس فالتشجيع على ذلك مكسب وغنيمة للفرد والمجتمع , ولكن لا ننسى أن قوة التركيز مهمة في أي توجه لنا و بالإمكان مع ادارة الاولويات وادارة الوقت وتفويض الأعمال الروتينية للآخرين ان يكون لدي عدة اعمال وانجازات في عدة مجالات في ذات الوقت ولكن المهم هنا ألا ينطبق علينا المثل المصري الشهير " سبع صنايع والبخت ضايع " وما ضيع البخت أو الحظ إلا الانسان الذي كل يوم له وجهه وطريق واهتمام وهو في النهاية لا يصل الى خط النهاية بكل أسف لأنه يدور حول نفسه من الضياع !! سلطان بن عبدالرحمن العثيم www.salothaim.com @sultanalothaim