يقول المفكرُ الياباني الصوفي «ديساكو إكيدا» صاحب كتاب التأملات المعروفة «المحفِّزات اليومية Daily Encouragements» : « إن المسألة لا تعتمد على طبيعة الجو المحيط ولا من حولك من مساعديك، ولا من منتقديك خارج المنشأة، كلها عواملٌ خارجية ضعيفة التأثير متى صنعتَ دِرعا واقياً في داخلك، بأن تقول ما يجب أن يُقال عنك قبل أن يقوله الآخرون. فستشيع من حولك ضوءَ الثقةِ، وطاقةِ الشجاعة، وتيار الإعجاب. وبهذه الأضواءِ المشعة لن يكون حولك إظلامٌ أبداً». كنت أقرأ الكتابَ وأنا أرى تصريح المهندس علي بن صالح البراك حول الأنقطاعات الكهربائيه ومشاكل الصيف والناس، تعجبتُ لوجهِ الشبَهِ بين ما قاله الفيلسوف البوذي، وبين الصفات التي ظهر عليها البراك، شركةِ الكهرباء بحذاقةٍ ودهاءٍ إداريين تُحسد عليهما، يتبعون خطوات فلسفة الحرب الاستراتيجية، بالدفاع والتخندُقِ قبل نشوب الحرب، فلا تأتي الحربُ إلا وهم في خنادقِهم آمنين.. فالصيفُ قد حلّ ملوِّحاً بمجيئهِ بقبضاتِ الوعيدِ والتهديد، بقيظٍ أشد، واستحلابٍ للطاقةِ أعظم، ويعني هذا أن كل تروس الآلةِ الكهربائية ستكون دائرة على أشدّها ليلَ نهار طيلة شهور الصيف الطويلة، فلا بد إذن لهذه التروس من التآكل، ولا بد لها من التراخي، ومن الانسحاب طلباً لاستعادة الطاقة من جديد. أيّ توقفٍ من هذا النوع يعني انقطاعاً في الكهرباء على مشتركين سيكونون في أشدّ الحاجةِ إليه.. لذا كانت الحملة الإعلانية، التي أسميها آلية «المِصَدّ الاستراتيجي الصيفي» تحت عنوانٍ صريح، ومستجدٍ وطارئ وطريفٍ على بنائنا الإداري الكبير، فالحملةُ عنوانُها : نعم، ستكون عندنا عوائقٌ ومعوِّقات، ثم يستعطفون المجتمعَ بأكمله: ساعدونا.» أترى كيف أنهم امتصوا عناقيدَ الغضب قبل أن تثمر جمراً على الأغصان.. هل هم محقون، أم لا؟ سيكون لكل مِنّا رأيَه حول ذلك، ولكن لنسمع رأيَ رجلِ الكهرباءِ الأولِ في البلاد. كان المهندسُ علي في كل ضهور أعلامي مستعداً، وعارفا بمستوى عقلياتِ الحضور والمستمعين، وتحفزها في الاعتراض والاقتراح والنقد، وكان واقعياً في إدراك ذلك، لذا لم يُهدِهِ عقلُهُ العمليّ المنطقي إلا إلى سبيلٍ واحدٍ: المكاشفة، وحتى نكون على مثيليه من الواقعيين نقول إنه حاول أقصى ما يمكن من المكاشفة، فبدأ بالتاريخ والنمو للشركة، وهذه تمتص كثيراً من التحفز والحماسة، ثم عرَج على المشاكل حتى امتص ما بقي من غيمةٍ مبرقةٍ في الجو، وبدراسةٍ نفسيّةٍ مجهزة بدأ بعدها باستعراض ما تقدمه الشركة مفنِّداً ما يقال أن تعرفة الكهرباء على المواطن هي الأكبر في الخليج - على الأقل - وطارحا بالأرقام والمقارنات، وعند الشركة جدولٌ مقارنٌ لكل أسعار التكلفة والبيع في دول الخليج مقارنة بأسعار وتكلفة الكهرباء في المملكة،ليثبت نقطة أن الشركة تبيع بسعرٍ أقل من التكلفة وأنها قد تكون أكبر من يقوم بذلك من الشركات المشابهة في العالم. واستعرض حجمَ المشتركين الهائل الذي تعدى خمسة ملايين مشترك، بمعدل مليون مشترك لكل أربع سنوات، وأن النموَّ في توفير الطاقة يستحيل أن يواكبَ الاطِّراد للنموِّ السكاني والإعماري، خصوصا أن الكهرباءَ تبددُ عشراتِ الملايين من الريالات بهدر اقتصاديٍّ شاهق وهي تمد الخدمة إلى قُرىً وهِجَرٍ مقطوعةٍ يكاد لا يستقرّ فيها أحد.. وكأننا ندفع ميزتنا الديموغرافية ثمناً باهظاً من طاقاتنا الموروثة والمصنّعة. فالبراك قد أعدّ واجبَه المنزلي الذي مفاده بأنه لم يعد من حلٍّ أمامنا إلا الترشيد، ودعا إلى نهضةٍ توعويةِ عن الترشيد من الإعلام والتعليم حتى خطباء المساجد.. ونزل الاقتراحُ برداً وسلاماً على «الموَلِّد الكهربائي» الصغير في صدرِ رجل الكهرباء الأول. سيكون قدرُ «علي بن صالح البراك» الذي يقودُ صناعةَ الكهرباء في هذه الأمّة، التعرضَ للتياراتِ الصاعقةِ طالما كان في المكان الغير مناسب له ..