وأبدأ مقالي بعجز صدر البيت أعلاه، فأقول: وظلي دوري فينا ... تا ينسوا أسامينا وننسى أساميهم. فقد تسببت هذه الكلمات اللبنانية الجنوبية الطابع، في تداعي الأفكار إليّ من الأيام الخوالي، عندما كنا نتابع ما يسمى بالحراك الثقافي، ومعظمنا في ذلك الحين لم يكن يدرك معنى كلمة حراك، ويستحي أن يسأل خشية الإملاق - هنا بمعنى الفقر والحاجة للمعرفة – ومع ذلك انخرط الجميع في هذا الحراك بمختلف مشاربه وأطيافه، ونتيجة لهذا الحراك، أطلت علينا وجوه وأقلام كثيرة ولها العديد من الآراء والتوجهات، ولم يكن بوسعنا أن نميز الخبيث منها من الطيب، حيث أن القضية التي كانت أمامنا لا تتجاوز الأفكار، ومن الشيء الطبيعي أن تنطوي الفكرة على أكثر من تحليل ولكن يبقي المعنى في قلب الشاعر، ونتيجة لذلك شهدت الساحة الثقافية العديد من سجالات النقد والمعارك الأدبية، التي وجدت الصحافة حضناً دافئاً لكل مساجلاتها، وكان الجميع سواء المهتمين بالشأن الثقافي أو المتابعين له، يمضون في هذا الحراك ولكل منهم وجهته ورأيه ولكن في حدود الكلمة والرأي، ولكن اليوم، المسألة اختلفت وأصبح للحراك جسداً يتحرك من خلاله وروحاً يعيش بها، وأصبح للمثقفين أمال وتطلعات تجاوزت حدود القلم، ولكن لم يدر بخلد أحد منا أن تتجاوز تلك التطلعات حدود الأدب. ففجأة وبغير مقدمات، أطلت علينا برأسها ظاهرة الروايات المنشورة خارج حدود الوطن، وعنصر النشر هذا يكفي لإدانة هذه الروايات، وإلا فما أسهل من أن تنشر في المملكة العربية السعودية ما شئت من مطبوعات شريطة أن لا تتجاوز الآداب الإسلامية أو تخدش الحياء، أو تسيء لأحد. وأصبحنا نحصل عليها خلسة - يعني بالدس - تأكيداً على شبهتها، وحقيقة أن معظم ما جاء في تلك الروايات بالنسبة لي ولا أعمم على الكل، كانت بمثابة الصدمة المروعة وتضاءلت أمامه كل معاني تجاوز الآداب وخدش الحياء أو الأساءة، خصوصاً وأن القلم النسائي معني ببعضها، لقد كانت بعض تلك الروايات تصويراً لمشاهد مخجلة، وإثارة لغرائز جنسية، غاية في الوقاحة والإسفاف، ومن يريد التحقق، فعليه الرجوع إلى تلك الروايات، ونمده بأسمائها، وله الحكم، وبعضها اسقاطات لتجارب شخصية دنيئة على مجتمع بكامله، وبعضها لا تعكس إلا أنحراف فكر كاتبها، ولا أدري لماذا انجر البعض إلى هذا الطريق؟؟ فهل فن الرواية قائم على أدب المجون والفسق فقط؟؟ ألا يوجد ضابط ديني وأدبي وحيائي يحكم الروائي أو القاص المسلم من أن يقع في مثل هذه الزلات؟؟؟ ويبدوا أن مثل هذه الروايات كانت هي المقدمات لما هو اشرس في حق المجتمع، فقد بدأ البعض يشجع المرأة على المضي في هذه الطريق، وأن عليها أن تجاري الرجل في كل شيء رغم أنها غير قادرة على ذلك ولو تساوت مع الرجل لاختل ميزان الكون الذي يسيره الله سبحانه وتعالى، ولكن ماذا عسانا أن نفعل بمن هو شقي ولا يتعظ إلا بنفسه؟؟ عموماً وبدأنا نرى الظهور النسائي شيئاً فشيئاً في الصحف وبعضهن بدأت تدفع بصورتها المرسومة عبر المقالات الصحفية، وشيئاً فشيئاً استبدلت الصورة المموهة بالرسم إلى الصورة الحقيقية، وما هي إلا لحظات في عمر الزمن وخرجت علينا المرأة السعودية على شاشات القنوات الفضائية وليتها ما خرجت، فقد خرجت علينا في شكل نشاز لا يليق بها - ولدي ولديكم الكثير من الأسماء ولكن ليس موضوعنا اليوم عن الأسماء – وياليت خروج المرأة في القنوات الفضائية اقتصر على التبرج والسفور ولكن صاحبه صوت هادر ومزاجية عجيبة تريد أن تفرض على المجتمع رأيا ً واحدا لا ثاني له، ومفاده إما أن نقبل المرأة بهذه الشكل السافر وإلا فإننا نتجه للهاوية، وللأسف صاحب هذا الأمر عزف منفرد من جوقة المؤيدين لهذا الطرح من الرجال، وللأسف أدخل المجتمع في دوامة هو في غنى عنها، فالمجتمع غير مقتنع بما يقرأ وبما يشاهد عن المرأة، فليست هذه المرأة التي عرفها في بيته كأم وأخت وبنت ، وليس هذا الظهور المبتذل هو ماكان يتوقعه منها، فماذا جرى؟؟ هل المرأة وبعض الرجال أصيبوا بالصدمة الثقافية جراء هامش الحرية الذي أتيح لهم أو على الأصح وفر لهم؟؟ إن كان الوضع كذلك، فهم وبكل بساطة ليسوا أهلا ً لها، وبالتالي يلزم أن يتخذ من الإجراءات ما يكفل إعادة الهيبة والاحترام للمجتمع، وإن كان توجههم هذا مع سبق الإصرار والترصد، فيوقفوا بما تقتضيه الشريعة الإسلامية من أحكام. ولست هنا من أجل أن أحاكم أحداً أو أنال منه ولكن ما اشاهده ويشاهده غيري من مخالفات باسم الثقافة والأنفتاح لا مبرر له، بل وغير مطلوب البته، وأصبحت مهمة إعادة البوصلة للوضع الصحيح في المشهد الثقافي والإعلامي بالنسبة للمرأة فرض عين. فنحن لسنا في سباق مع الزمن من أجل تغريب المرأة، وإنما في سباق مع الزمن من أجل بناء المرأة لتكون هي البيئة الخصبة لتنشأة الأجيال، وشتان بين من يبني وبين من يهدم، وبين من يصلح وبين من يفسد والعاقبة للمتقين. د. الربيع الشريف باحث في الاعلام