عندما تفوز في سباق انتخابي ،وترشح من قبل الشعب وتصوت خلفك جماهير عريضة؛ فأنت تمتلك رصيد ضخم من التأييد وقوة داخلية لا تجابه ولا تخترق ؛ لكن أنت ستنهض بدولة وستقود مؤسسات ، وستجاهد في صناعة مستقبل بلد ولن يتحقق ذلك إلا بالتناغم مع الخارج ،والدبلوماسية العالية والعلاقات الواعية والفاعلة مع الدول المحيطة ،وكذلك لابد من التؤدة والتروي وعدم الاندفاع ،ومراعات الظروف ، وإدراك عمق التغيير الذي تمر به المنطقة ويمر به العالم ،وكذلك من الضروري مد النظر وبعد الأفق وفهم التحركات والتقلبات على الساحة الدولية وكيفية صناعة القرار العالمي ومن المحرك؟وكيف تدار الأحداث على الساحة الدولية؟. هذه الرؤية لاشك أن قيادات الأحزاب الإسلامية التي تتأهب الآن لقيادة دول عربية مهدمة ، مدمرة ، تركها المستبد بيت خربه لا ينفع معها الترميم ، وإنما البناء المؤسس على قواعد راسخة من جديد . لاشك أنها بحكم عمق تجربتها ، وخبرة قياداتها أخذت بحسبانها الكثير من الأمور وعندها رؤية سياسية للعالم تستند على أبحاث ودراسات وقراءات خبيرة متأنية ؛ ولكن في تصوري أن هذا غير كافي ، فالأزمة شديدة ، والأحداث مفاجئة ، والمرحلة حرجة ، والظروف غامضة. وعلى الحكومات الإسلامية المنتخبة أن لا تعتد برأيها، وتنغلق على نفسها وتهمش الآخرين، بل لابد أن تستفيد من كافة الرؤى والقراءات والأطروحات ؛ حتى تستبين طريقها، وتستنير دربها ، وتنهض بمجتمعاتها ،وتبحر بدولها إلى بر الأمان وأرض التطور والنجاح . العلاقات بين الدول والسياسة لا تحركها الشفقة والرحمة ، وإنما تحركها المصلحة. وأمريكا مازالت قوية والأزمات التي تمر بها ستضعفها؛ لكنها لن تسقطها وإنما ستسمح بظهور أقطاب مشاركة ومنافسة ، فالدول تدور في فلكها وهي من وضع ورسم معظم سياسات ومؤسسات العالم ، ونظمت حركتها وفق مصالحها. خدمتها الظروف والأحداث التي عصفت بالعالم ، فقوتها الاقتصادية في نهاية الحرب العالمية أهلتها لأن ترسم السياسات ، وتقود الدول في تلك الحقبة. والحرب الباردة حفزتها على المنافسة وبناء وتطوير جيشها وسلاحها ، وعندما سقط الاتحاد السوفيتي تفردت بالعالم ، وسيطرت على بره، وبحره ،وجوه ، فهي سيدة البحار ، وسيدة الطيران الجوي وتمتلك المعلومة والتقنية الجديدة الحديثة، وعندها قواعد منتشرة في كل مكان في مواقع إستراتيجية وحساسة في العالم أي أنها تسيطر على منافذ، ومداخل بحرية ،وبرية إستراتيجية في العالم ، فمثلا قواعدها في كوريا الجنوبية يخدمها في ردع كوريا الشمالية ، وفي ردع الصين إن توسعت خارج حدودها ومدت إمبراطوريتها، وكذلك لردع اليابان إن شقت عصا الطاعة ولم تكتفي بكونها دولة اقتصادية بل تحرك طموحها لخارج حدودها وحاولت المنافسة والسيطرة ، وحتى كوريا وهي تنهض اقتصاديا فإن خرجت عن الطوق ودارت خارج فلك أمريكا فإن القاعدة تعيدها وتقلم أظفارها. وأنا هنا لا أستعرض العضلات نيابة عن أمريكا ولا أضفي عليها قداسة وإنما حاولت أن أبين مدى اتساعها وقوتها ونفوذها وقدرتها على التأثير في صناعة القرار العالمي ،والشمس قريبا ستغيب عن ممالكها ومناطق نفوذها بحكم أنها تركت التحديث والانتاج وحرفت مسار الاقتصاد إلى اقتصاد ورقي واقتصاد عملات وإلى البورصات والمضاربات وأسواق المال حتى جعلت السوق العالمي يعيش في فوضى واضطراب فأخرجته من سوق الصناعة والإبداع إلى رصيد السندات وطباعة الدولارات في البنك المركزي الأمريكي وأصبح اقتصاد العالم يدور في فلك البنك المركزي الأمريكي وبنوكها وشركاتها والبنوك والشركات الأوربية وأصبح يخضع لأراء وأقوال السياسيين والاقتصاديين وتصريحات شركات التصنيف الائتماني فأنت مهما بذلت وانتجت، اقتصادك مرهون بهؤلاء وقد يتضرر بأي تصريح تهب رياحه من جهة وول استريت ،وأسواق المال العالمية وأكبر متضرر من هذه الفوضى هي الدولة المرشحة للمنافسة ،وهي الصين فرغم أن مؤشر انتاجها واقتصادها يرتفع بشكل مذهل إلا أن تعبها وعرق جبينها يتحول إلى دولارات وسندات في البنك الفيدرالي الأمريكي المملوكة أسهمه لشركات وعائلات يهودية . طبعا ما سبق من رؤية قد تكون أخرجتنا عن موضوعنا الأصلي أردت منها التعريف ولو جزئيا باللاعب الرئيسي والأساسي على الساحة الدولية وهي أمريكا ولذلك فعلى الحكومات الإسلامية المنتخبة أن تقيم وزنا لها وأن تكون حكيمة في التعامل معها وأن كسبها وكسب اعترافها أخصر طريق للا عتراف بك واطمئنان العالم لك ، وهي لا تريد حكومة إسلامية حقيقية تنهض وتكون داعمة للحركات الجهادية فتستعيد خلافتها وأمبراطوريتها ، أوتهدد مصالحها ،وهي أيضا لا تريد البلدان التوسعية الطموحة التي تتجاوز حدودها وتتقاطع مع مصالحها وسياساتها ، وما يؤرقها الآن روسيا ، والصين فتخشى أن يستعيدا إمبراطوريتهما أو أن يتحدا وهذا بعيد جدا. ولنا في اليابان وكوريا الجنوبية واندنوسيا وماليزيا وسنغافورة وكذلك البرازيل كلها دروس وعبر وتجارب إيجابية ، ونماذج مضيئة في التطور والنهوض والصناعة والانتاج فلم يشقوا عصا الطاعة ، وداروا في فلك أمريكا وتوافقت مصالحهم مع مصالحها فكان بينهم تناغم ووفاق . واستقلوا هم بتنمية بلدهم وتطويره وجعله في مصاف الدول الصناعية المتطورة. وهذا ما نريد فلا نملك إمبراطورية ؛ كي نقاوم ونعارض أمريكا ولا نملك قوة صناعية واقتصادية نعتمد على الله ثم عليها في مقاومة ومعارضة بعض سياسات أمريكا . نحن نتكئ على إرادة شعب صوت لنا ورشحنا ؛كي ننهض به ونحقق أمانيه ونحسن ونعدل في إدارته وقيادته فعلينا أن نقرأ الواقع الداخلي والعالمي جيدا وأن تكون دبلوماسيتنا عالية في التعامل مع سائر الأوضاع العالمية ، وأن نتحرك بتأني وحكمة ،وأن تكون خطواتنا محسوبة ،وأن لا نجازف ولا نندفع وأن نقود السفينة إلى بر الأمان حتى نغرز مرساتها على شاطئ النجاح . أسأل الله أن يوفق هذه القيادات الجديدة وأن يبطل كيد حسادها وأعدائها وأن يجعلها تنهض بشعوبها وتقود مجتمعاتها إلى حياة الراحة والطمأنينة والسعادة وصلى الله وسلم على نبينا محمد. سطور أخيرة: قد يبالغ البعض في ضعف أمريكا فلا يلقي لها بالا ولا وزنا ، وهذه رؤية ناقصة فما زالت مسيطرة ومؤثرة ، وعندما أحاول كسبها لا يعني الانحناء والطاعة المطلقة لها، وإنما بناء العلاقات الإيجابية معها ؛ كي لا تضع المعوقات في طريقي وكي تساعدني على النهوض بعد السقوط . خالد عبد العزيز الحمادا