قبل أن أعي هذه الدنيا لم أتخيل يوماً أن أكون غير أو أن أولد في بلدِ غير أو أن تكون حياتي كلها غير في غير. منذ نعومة أظفاري وهذه الكلمة "حنا غير" تتردد على مسامعي ليل نهار, حاولت مراراً أن أجد لها معنى لكن دون جدوى ! ففي الصحف نحن غير؟ وفي المجالس نحن غير؟ وفي بيوتنا نحن غير؟ حتى في المدارسِ نحن غير؟ استمرتْ معي هذه العبارة ففي العائلة أنا غير؟ وعائلتي بالنسبة للحيِّ غير؟ والحيُّ غير بالنسبة للمدينة ومدينتي غير وكوني سعودي فأنا حتما غير؟؟؟. يالِهذه الكلمة التي أثقلتْ كاهلي وجعلتني أفتشُ عنها صباحَ مساءْ. كبِرْتُ وكبُرَتْ معي هذه الكلمة ومازال صدها في أذني وفحواها يثبط عزمي فأنا غير لكن لماذا؟ ما هو السر الذي جعلني غير! مع بحثي المتواصل عن هذه الكلمة إعترضتني كلمةُ أخرى لها نفس المعنى ومن سوء حظي أنها تعقد الأمور لا تبسطها لكنها بالمقابل فكَّكَتْ بعض الرموز. فبما أنني سعودي فلا بد أن تلازمني هذه الكلمة ألا وهي "الخصوصية" فهي كلمة ملازمة لكل ما هو غير! الآن بدأت أستوعب ! آه الخصوصية ؟ أهي التي بسببها تمنع السينما درءاً للمفاسد, وفي الوقت ذاته تؤكد الدراسات أن شبابنا هم أكثر شعوب العرب بحثاً عنها في الشبكة العنكبوتية ! ألم أقل لكم أننا غير؟ أليست هي الغيرُ التي جعلت محافظاً فاسداً راح بسببه مئاتُ الأرواح, أن يكافئ وتُعلَّى مراتبه ليصبح وزيراً ينتظر منه إصلاح ما أفسدهُ غيره أم أن ما أفسدَ الدهر لا يصلحه العطار فلا تستغربوا فقد يصبح العطار وزيرا فنحن غير ! أهي التي أقرتْ أن يكون في بلدي مركز هيئة الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر باحثاً عن شاب وفتاه, وبجانبه بنكٌ استثماري يسوّقُ فيه ما لذّ وطابَ من الربا المحرم الذي لو وزن بسابقهِ لزادهُ ستاً وثلاثين مرة!! ألم نقل أننا غير؟ فلأننا غير فقد غيَّرنا مفارقاتٍ عدة, فالدينُ أصبحَ غيرْ والمفاهيم أصبحتْ غيرْ والأحكامُ والموازين أصبحتْ غيْر فبالتي ومن الطبيعي أن تصبح حياتنا كلها غيرْ في غيرْ لكن السؤال لماذا "حنا غير" ؟ سليمان العمرو [email protected]