الهدوء الذي تراه في الوجوه ليس بالضرورة دليلاً على الرضا .. والضحكات المجلجلة قد تكون تعبيراً متناقضاً عن حالة مزمنة من الحزن واليأس .. وكلمات التملق لا تعبر بالضرورة عن المودة والوفاء .. إن لكل إنسان شيء في داخله يعذبه و يأكل من روحه ويشعره بالوهن و يشكل جذوة بركان !! كل هؤلاء البشر العابرين أمامك لهم أحلامهم وطموحاتهم ومشاريعهم التي تضيع بين واقعهم وإمكاناتهم . كم شخصاً بيننا يحمل في جنباته جرحاً عميقاً صنعه الإحباط والفشل لكننا نعبر أمامه دون أن نشعر و كم من مسكين يغلق بيته على مظلمة و تكل يده من طرق الأبواب ليعلم في النهاية أن لا ناصر له إلا الله . وفي الوقت نفسه هناك من يواصل نهب أموال المعدمين والمحرومين وسرقة أحلام البسطاء دون أن يرف له جفن . أحدهم يأكل المرض بقايا الصحة في جسده الضعيف، فيقف على أبواب ذوي المعاطف البيضاء والبشوت المذهبة يستجدي موعداً في مشفى .. وعندما تغلق في وجهه الأبواب وينهكه البحث يرفع يديه إلى السماء ، وتسبق عبراته كلماته .. لكن لا أحد غير الله ينظر إليه !! آخر يعجز عن توفير مسكن ، ويتحول حلم حياته أن يمتلك بيتاً يؤويه ويمنحه دفء الرضا والطمأنينة .. ثم يتصدع رأسه من كثرة ما سمع وقرأ من الوعود والأحلام والحلول .. و في النهاية يكتشف أن لا أحد يهتم !! تتسرب السنوات من يديه أو يديها كالماء ، تفقد الأشياء معناها ، وتتجاوزه الأحلام أو يتجاوزها .. ولا زال يأمل بأن يتزوح ويصبح له بيت وأسرة كالآخرين .. يعتصره الألم ويطبق قلبه الهم .. لكن لا أحد يشعر أو يهتم . تستهلك عمره الخطوات ، وتفنى سنواته في البحث عن الوظيفة ،ويظل يؤجل طموحاته .. لكن العمر يمضي ولا تأتي الوظيفة ، ويبقى هو يكابد الأسئلة ويعيش سراب الانتظار !! ويل لكل من سرق أحلام البسطاء ، أو تجاهل طموحاتهم وتناسى أنهم بشر .. وتجاهل أن النفوذ و السلطة منحة و في نفس الوقت أمانة و مسؤولية إضاءة : لا تحسد أحداً بنعمة فأنت لا تعلم ماذا أخذ الله منه وكيف سيحاسب عليها .. ولا تحزن للمصيبة فأنت لا تعلم ماذا سيعطيك الله عليها !!