إن الشتاء يأتي سيّداً فتتوقف جميع الأشياء عن الحركة انبهاراً بعظمته ..! حتى المكيفات لا تعمل ! و الأماكن وقتها تغدو جناناً متناهية الهدوء فيتصدّر الهمس لُغاتَ الحديث ويتناقل الناس قصص الراحلين من العصور الوسطى وما بينها والحب يَتَخللّ أصابعهم ، يتدّلى من ألسنتهم عسلاً يُغرق الأنفس.. فتصبح الحكايا متعة .. يتفنّن القاصّون في سردها إلى أن تشتعل بالأرواح حذافيرها.. ومع الوصول إلى قمة الهرم في حب كل بطل .. تنتهي القصة ...! فتبتدئ أخرى .. ويبتدئ مع بدئها التوتر في متابعة التفاصيل كما تبتدئ لعبة القفز للأعين و محاولة استشراف الآتي قصائد .. وملذات .. مواقد .. و سمر .. عقول... وتجارب..ضحكات..ودمعات .. والشتاء كأجمل جاسوس.. متخفيّاً في المنتصف.. بيننا وبين الزخّات .. بيننا وبين المدافىء .. بيننا وبين الروائح .. بيننا وبين الشُرفات .. موسم نحيى به إلى أن نموت .. ونموت به إلى أن نحيى.. وعلى ذا .. حتى ينجلي ليلٌ قدّر لشمسه أن لا تُشرق ! *** إن الشتاء يا أحبتي قصة عشق تزداد تعقّداً كلما ازدادَ الجو صقيعاً .. ، فاغمروها بالدفء إن الدفء الروحي خالصتها ، لا تدعوها ترتطم بالبؤس فتفتقر إلى هذا الدفء الذي إن أحضرتموه –بضمير- اختصر شتّى أنواع الفراء حتى وإن كانت "ماركة" باهظة الثمن ! *** يقول الكثير منكم كلاماً لا يمثّل حسنَ الشتاء.. ما أعجبني ما سمعت (أن الشتاء ضيفاً ثقيل الظلّ ذا ليالٍ قاسية) إن أولاء لا يعرفون أبداً –رغم أنهم يعيشون- أن أجمل مافي الشتاء .. أنه يحييهم تحيته المثيرة بعد أن أمضى ثلاثة الأرباع من السنة مهاجراً أنه يمكّنهم من صيام نهاره المجذوذ الأطراف بلا ضجر أنه يعلمهم كيف يستثمرون ليلهم ويجزئونه.. أنه يتيح لهم فرصة البقاء مع أنفسهم وقتاً أطول و التغلغل في مكامنهم أكثر فأكثر .. أنه يشعرهم بواقعية الدفء الداخلي المتبادل بينهم وبين الآخرين.. كما أن من أجمل ما يعلمهم، أن التحفظّ على مشاعرهم لا يليق في فصلٍ متجرّد من الحرارة يحتاج المرء فيه إلى أن يُغمس بالدفء حتى يعيش ! و فوق كل هذا .. يعلمهم الشتاء إبّان رحيله أن يدخروا ذكرياتهم والعطور؛ لشتاءٍ قادم يقتاتون منها أعمارهم .. *** إن الشتاء يا أحبتي الفصل الذي يُجمّد الأشياء من حولكم حتى يتفرّغ لتهيئة المسافة التي تفصل فيما بينكم وبين الآخرين كي تَعْبَر المشاعر على الخط الساخن بطلاقة من خلال أعينكم وأياديكم وكلماتكم ! في ظل دهشة الأثاث وشخوصه.! فيا أجمل الأحبة .. أكثروا من حياكة المعاطف والقبعات –المعنويّة- ! فالإفشاء عما تكتنفون ضرورة تقون بها أحبتكم من الرياح التي تقرص أسوار مبانيكم! لا تضاعفوا أنفسكم بحبسها ، أفصحوا عنها وزمّلوهم بها فما بين ترطيب المشاعر و تجفيفها .. مزالق ،وشفرات..وضحايا لا تعرّضوا أحبتكم إلى السقوط من ثم تعكفون بعد هلاكهم على كتابتهم... *** إن الشتاء .. هو نحن .. بصورة أوضح و أكثرَ صدقاً ونضارة من الأشكال الأربعة وإن كان لنا فيها لقطات تمثّلنا ..! ولكن الشتاء دائماً أفضل .. لأنه يعنينا ..يعنينا وحدنا.. فيه من الآيات مالا في الفصول الأخرى... إنه حالما يتقّدم .. تصبح الدنيا بصحاريها عالماً شاسعاً مسخّراً لنا فدعونا نهيم ..في كل واد ..! ونغمض الأعين.. ونتمنى .. أن ينسدل مساء يومنا هذا .. رقيقاً دافئاً غزيراً حاملاً أرقى هداياه الشتوية ..، غادَة عبدالعزيز الحسون