في الأسبوع الماضي صعقتنا الأخبار بأنباء محزنة عن ارتكاب جريمة نكراء بشعة اقترفتها يدا مجرم مجهول, وراح ضحيتها الشاب حمود الميمون أبن الثالثة والعشرين ربيعا رحمه الله رحمة واسعة دون ذنب أقترفه سوى أنه يعمل لكسب قوته في وقت شحت فيه الوظائف و تكاد تنضب مصادر الرزق ,وكي لا يساومني أحد على مواقفي فإنني استنكر كل أعمال العنف و الإجرام مهما كانت المبررات, وإذا كنت قد استنكرت مجرد تكسير بعض الشباب لكاميرات ساهر فإنني اليوم وعلى إيقاع الجريمة الوحشية أبدو أكثر ألما وأشد معارضة بل لا أكتفي بهذا وإنما أضم صوتي مع أصوات كل العقلاء وأطالب برأس المجرم ليكون عبرة لغيره, وبتأمين الحماية للعاملين في هذا النظام والذي أصبح مثار جدل لن ينتهي إلا بإصلاح عيوبه وخلله الواضح . للأسف ما حدث كان نتيجة حالات احتقان شديدة أدت إلى القيام بمثل هذه الاعتداءات ومن يقول غير هذا الكلام فهو واهم أويريد لي الحقائق أوتضليل الناس لأغراض في نفسه, وسبب الاحتقان دون شك تراكم المخالفات على من لا يملكون المال ليدفعوا ما عليهم, وعدم مبادرة المسئولين للتوعية بالنظام قبل تطبيقه والأخذ بالملاحظات التي طرحت بعد التطبيق , وعدم وجود عقوبات رادعة لمن قاموا بتكسير الكاميرات أو إتلاف أجهزة ساهر أو الاعتداء على رجاله. كلنا مع بقاء ساهر وتطويره لكن للأسف لازال يطبق بطريقة خاطئة جدا لا تتوافق مع أنظمة المرور الدولية فالكاميرات يجب أن توضع مثبته على أعمدة على جنبات الطريق وليست في سيارات مخبئة بين الأشجار أو في الظلام وأن تكون موزعة على امتداد الطريق ففي الطرق السريعة مثلا تكون بعد كل عشرين كيلو وفي داخل المدن كل خمسه كيلو وهكذا, ثم أين الإرشادات؟وأين اللوحات التوعوية؟ النظام طبق دون دراسة وبسرعة وسلبياته كثيرة يعرفها الطفل الصغير قبل الرجل الكبير. كنت أتوقع بعد حوادث تكسير كاميرات ساهر المتلاحقة وفي أكثر من مدينة من مدن المملكة أن تبادر الإدارة العامة للمرور لفتح ملف قضية احتقان الناس ضد نظام ساهر وتدرس الأسباب والدوافع وتضع الحلول العملية التي تحقق للنظام فاعليته وتطور من ضوابطه كإعادة النظر في السرعات المقررة, وإلغاء مضاعفة المخالفة التي أنهكت الناس واعتماد أسعار جديدة مخفضة للمخالفات،وتعزيز ايجابيات النظام وتكثيف حملات التوعية لرفع درجة الوعي بين المواطنين, لكن المرور صم أذانه وأصر واستكبر وأندفع لجباية الأموال دون رحمة لتزيد درجة الاحتقان لدى ذوي الدخول المحدودة والفقراء والمعدمين بسبب مئات الريالات التي يدفعونها من قوت عائلاتهم أو من رواتبهم الهزيلة التي تطير من جيوبهم بسبب زيادة كيلو واحد في سرعة المركبة. كانت نتيجة تطنيش المرور الفاجعة التي هزت أركان المجتمع وتركت في كل نفس غصة وحسرة, فهل ستستمر إدارة المرور في مكابرتها بعد كل ما حدث؟وهل ستضمن عدم حدوث جرائم أخرى؟كان الأولي بإدارة المرور أن تبادر لحماية أفرادها أولا من طيش المتهورين,ودراسة النظام بموضوعية فالهدف كما أعلن حماية أرواح الناس وتقليل نسبة الحوادث وليس الهدف جباية الأموال وتفريغ الجيوب من النقود وزيادة أعداد الفقراء. كيف نوقف الحرب على ساهر ونكبح جماح السفاحين والمجرمين ونوقف حمامات الدماء؟ بالتأكيد لن نوقفها بالخطب ولا النصائح وتعليق اللوحات ولا الشجب والاستنكار والمطالبة برؤوس المجرمين ,ولن نوقفها بإلغاء النظام الذي وجد كما يردد المسئولون من أجل المصلحة العامة, والتقليل من نسب الحوادث.نوقفها فقط بإصلاح النظام وتحويله إلى نظام واقعي يأخذ في اعتباره طبيعة المجتمع ودرجة وعيه ومستواه الاقتصادي, وهو مجتمع يأتي متناغما مع بالتدرج , ويقاوم الأنظمة المفاجئة إلى حد العنف. د.عبدالرحمن الشلاش [email protected]