إنه لمن الظلم والإجحاف أن نسمي تلك المباني والشقق - التي تملأ شوارعنا وحاراتنا وتكتظ بها مدننا - مستشفيات والتي تفتقر إلى أبسط المقومات والإمكانات الفنية والبشرية التي تؤهلها لتقديم خدماتها الصحية للإنسان إذا ما افترضنا وجود جانب خدمي فيها!، وظلم كبير أيضاً أن نطلق على المقاولين وأعوانهم وسماسرتهم المتاجرين بآلامنا وأوجاع أجسادنا أسماء ملائكة الرحمة لشيء إلا لأنهم يتشبهون بغيرهم ممن يستحقون أن يحملوا هذه الصفة الإنسانية، فعمال المسالخ والجزارون يلبسون (بوالط) بيضاء أيضاً ..إن كان هذا هو المعيار للتسمية؟!. أما ملائكة الرحمة فهم أولئك الذين تفيض عيونهم من الدمع حين يعجزون عن إنقاذ حياة طفل أو امرأة أو شاب أو رجل أو شيخ.. ملائكة الرحمة هم أولئك الذين يعرفون قيمة الإنسان ويسهرون على راحة مرضاهم، يتعاملون مع الجميع دون تمييز بكل إنسانية، مؤمنين بواجبهم، حريصين على شرف مهنتهم، حاملين أمانتهم ومتمسكين بكل صدق بقيم وأخلاقيات مهنتهم النبيلة، ينظرون إلى الأبدان وما تعانيه من آلالم وأوجاع ولا ينظرون إلى الجيوب وما تحمله من أموال، أما في الغرب المادي فلا تجبر أبداً على دفع مبلغ مجز من المال تحت الحساب قبل أن يسمح لك بالدخول إلى غرفة المعاينة، وفي الغرب المادي أيضاً لا يجب أن تمر على شباك التذاكر لقطع ورقة معاينة والتي بدونها لا أحد يلتفت إليك لأنك داخل إلى مستشفى وليس إلى حديقة ، وهناك أيضاً لا يطلب منك أن تذهب إلى الصندوق أكثر من مرة لقطع سند لفحص الدم وآخر لعمل أشعة وثالث للمجارحة ورابع وخامس...الخ وبدون هذه السندات لا علاج لك. صحيح انك مريض ولكن علاجك بما تحمله من سندات.. كما هو معمول به في بلادنا. أما هم فهذا الروتين لا وجود له وكل هذه الأوراق لا أهمية لها في نظرهم وكل ما يهمهم هو التعجيل بعلاج المريض ومعاينته والكشف عليه وعمل كل ما يلزم دون تأخير أو تقصير أو مماطلة لأن حياة الإنسان عندهم أهم ألف مرة من تلك الإجراءات الروتينية وأثمن من كل الأموال ..وبعد ان يقوموا بواجبهم الإنساني على أكمل وجه ويكون المريض على مايرام وبخير وعافية ويطمئنوا على صحته وأنه لم يعد يعاني أي ألم أو عوارض مرضية مهما كانت بسيطة يسمح له بمغادرة المستشفى والعودة إلى البيت ليتم بعد ذلك إرسال فاتورة الحساب إلى العنوان الذي يسكن فيه، هكذا وبكل بساطة دون أن يطلبوا منه رهن بصيرة بيت أو ذهب النسوان أو ضمانة تجارية من شخص موثوق ومعمدة من الغرفة التجارية وعمدة الحارة، كما أنهم لا يجبرونه على البقاء معتقلاً داخل المستشفى حتى تتمكن أسرته من فكه. نعم إن الغرب يتفوق علينا في كثير من القيم والسلوكيات والأخلاقيات التي نحن بأمس الحاجة إليها إذا أردنا إصلاح مجتمعاتنا وأوطاننا، فلا نسمع عندهم أن قاضياً ارتشى وغيرّ منطوق الحكم، ولا أمين سر تلاعب بأوراق قضية وباع واشترى، ولا موظف توثيق باع سجل محكمة بكل ما يحتويه كما هو الحال مع بعض محاكمنا، فأين هي الأمانة والقيم والأخلاق لنقول اننا خير أمة أخرجت للناس.. نعم انهم يأسروننا بإنسانيتهم ويسحروننا بأخلاقهم وصدقهم وأمانتهم وإخلاصهم وتفانيهم في أداء واجبهم وولائهم لوطنهم وحرصهم على مصالحه..فلماذا لا نكون مثلهم؟ ستسمع ألف خطيب وألف عالم دين وألف مثقف يخبرك بأن هذا هو روح الإسلام وأن هذا ما يأمرنا به ديننا الإسلامي الحنيف وهذه هي قيم المسلمين وأخلاقياتهم التي يجب ان يكونوا عليها !؟. فأين نحن من تعاليم ديننا الإسلامي؟ ولماذا تخلينا عن قيمنا وأخلاقياتنا ومبادئنا ورضينا ان نكون جهلة متخلفين؟، وإلى متى سيبقى حق الضعفاء باطلاً وباطل الأقوياء والأغنياء حقاً ؟، وإلى متى سيبقى القانون منحازاً للمتنفذين وأصحاب الأموال، وإلى متى سنبقى نفتقد لسلوكيات وقيم نحن بأمس الحاجة إليها؟!. بقلم أ / خالد الدحيان [email protected]