يُعَرف الحوار في اللغة بمراجعة الكلام وتداوله ويعتبر الحوار صفة أدبية تربوية راقية وهي من أكثر الصفات رقياً للتواصل بين البشر وهذه الصفة وللأسف الشديد نفتقدها في مجتمعنا ومجالسنا ونقاشتنا وتعاملنا مع الخاصة والعامة . نحن لا نجيد الحوار ولا نحسن التعامل به رغم ما ورد في القران الكريم والسنة النبوية من أمثلة ونماذج مهمة في الحوار .. ويعتبر الحوار من أحد أهم طرق التربية والتواصل منذ أن أوجد الله الحياة على هذا الكون .. الحوار يعتبر من أهم وسائل الاقتناع والتبرير وتغيير الاتجاه وتعديل السلوك لأنه يعود النفس على قبول النقد واحترام وجهة نظر الطرف الأخر .. فيقضي على مشاعر الكبت ويحرر النفوس من الصراعات والمشاعر العدائية والكآبة والقلق ويعمل على حل الكثير من المشاكل لأنه في النهاية يتفق من خلاله على حل يرضي الطرفين بأسلوب أدبي تعاملي راقي . ولكي يكون الحوار مفيدا وناجحا فيجب علينا أن نحدد الهدف من الحوار وضبط النفس وتهيئتها ثم يأتي دور تحديد المشكلة والإحساس بها ووضع الفروض المناسبة لتقارب وجهات النظر وتجربة الحلول واختيار الحل المناسب للطرفين.. ولإنجاح الحوار يجب عدم التسرع في إصدار الأحكام والاهتمام الجيد بالوقت والمكان الذي يدار فيه الحوار . وكما ذكرت سابقا فقد تعددت أساليب الحوار في القران الكريم فقد حاور الله سبحانه وتعالى إبليس عندما خلق ادم .. وحاور سبحانه وتعالى الأنبياء والرسل .. وقد ورد عدة أمثلة في حوار الأنبياء مع الطغاة والجبابرة كحوار موسى مع فرعون وحوار إبراهيم عليه السلام مع ابنه وحوار الأنبياء والرسل مع أقوامهم .. ونموذج أخر في الحوار يتبين لنا من خلاله ترك حرية القرار والاختيار للطرف الأخر وعدم تقييد الآخرين وإجبارهم باختيارنا حوار نبي الله نوح عليه السلام مع ابنه . وللرسول عليه الصلاة والسلام أروع الأمثلة والنماذج في الحوار التي ورد ذكرها عنه فقد تحاور مع قومه ومع أصحابه ومع زوجاته ومع خادمه ومع أعداءه .. فالحوار شئ أساسي ومهم في حياة البشرية بل إن الحياة لا تقوم إلا به ولا يكاد يكون تواصل بين البشر إلا عن طريق الحوار والنقاش . ومع كل هذه الأمثلة التي نعرفها جيدا ونقرؤها في الكتاب والسنة إلا أننا ومع الأسف لا نملك هذه الصفة الأدبية التربوية الجميلة ولا نتعامل بها . فاغلبنا مبدأه التصلب والعناد والجمود الفكري والتأملي وهذا يعتبر من أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور العديد من المشاكل الاجتماعية والفكرية والنفسية والأسرية في وقتنا الحاضر . بل وصل بنا الحال إلى نعت من يتنازل عن رآئ أو وجهة نظر فهو إنسان ليس له كلمة مسموعة ولا شخصية مهابة . وظهر جلياً ثقافة أن لم تكن معي فأنت ضدي ومثل عامي نتداو له في مجالسنا ونقاشنا عندما تضيق بنا السبل وهو ( مع بني عمك مخطئ ولا وحدك مصيب ) بل أننا لا نملك الوجه الأخر الجميل الداعم لنجاح الحوار وتحقيق الهدف منه وهي صفة الإصغاء وحُسن الاستماع . وظهرت مصطلحات كإشارات المرور الضوئية تعطي الأفضلية لقطع النقاش على الطرف الأخر ومقاطعة كلامه وعدم الاستماع إليه ومنها ( كلامك الوارد ) وعبارة ( ولا قطع لكلام أبو فلان) وعبارة ( كلامك على متمه ) وجميعها تؤدي إلى تشتيت الذهن وضياع الهدف والجهد والوقت وكثرة الكلام والمراجعة بدون فائدة . أن صفة الاستماع والانصات لا تقل أهمية عن صفة الكلام والنقاش وإيصال وجهة نظرك للآخرين . أن من يمتلك القدرة على الكلام والفصاحة والبلاغة وقوة الحجة ولا يمتلك صفة الإصغاء والاستماع فهو بعيد كل البعد عن الحوار وآدابه . وقد ظهرت في عصرنا الحاضر دعوات عدة إلى الحوار ومنها (حوار الأديان) الذي دعا إليه الملك عبدا لله وكذلك (حوار الحضارات ) الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة وكذلك تم أنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الذي عقدت فيه مؤتمرات واجتماعات ولقاءات عدة هدفها مناقشة كافة مشاكل المجتمع وإبراز الحلول المناسبة والتواصل بين مؤسسات الدولة والمسئول والمواطن والمشاركة في صنع القرار . وأختم مقالي هذا بأبرز صور الحوار خلال العام المنصرم والذي استحق بنظري المتواضع أحد طرفيه جائزة نوبل للسلام لأنه رجل حقق نجاح منقطع النظير في محاربة الإرهاب والقضاء عليه وكما نعلم جميعا فإن الإرهاب عدو السلام الأول وبالتالي فمن يقضي على الإرهاب وينجح في محاربته فهو من يحقق السلام ومن يحقق السلام فهو من يستحق أرفع جوائز تمنح للسلام على هذا الكوكب . ولو وجد في هذا العالم ذرة أنصاف لما منحت جائزة نوبل للسلام لرجل زج بأكثر من ثلاثين ألف جندي لساحة المعركة في أفغانستان لارتكاب المزيد من الجرائم والقتل وسفك الدماء وإهلاك الحرث والنسل .. وكانت لغة حواره العنف والقتل والدمار والقضاء على الإرهاب بقوة السلاح وكان الأجدر منحها لمن ضحى بنفسه وجهده وفكره لردع الإرهاب ومحاربته بالحوار الهادف والمناصحة ودعوتهم للعودة إلى طريق الصواب والحق . ومن يستحق ما ذكرت هو ملك حوار الإرهاب صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف وجميعنا سمع الحوار الذي دار بين الأمير والإرهابي . حوار منقطع النظير حمل من التلقائية والسماحة ونبل الأخلاق وأدب الحوار الشئ الكثير وهنا يتضح جليا أنه لا يجيد الحديث مع الأعداء والحوار معهم إلا من يملك موهبة الحوار وقد تجلت في الأمير محمد بكل شفافية ووضوح . يجب أن يكون حوار الأمير محمد بن نايف مع ذلك الإرهابي أنموذج يحتذي به ومثال حي يتعلم منه . وهنا كل واحد منا يسأل نفسه إذا كان الحوار مع العدو بهذا الأسلوب الأخلاقي النبيل المليء بالمناصحه والطمأنينة والود فكيف يكون حوارنا مع الآباء والأبناء والزوجات والأخوان والجيران والزملاء وكافة من نتعامل معهم في حياتنا اليومية عندما نتناقش معهم في قضية خاصة أو عامة . يجب أن نكون بمستوى الحوار ومعناه وقيمته وهدفه لنرتقي بمجتمعنا إلى الأفضل وسلوكنا إلى الأجمل ونصل إلى قلوب من نحب بأقصر الطرق ... محمد بن أحمد بن ناصر العاصمي