لقد رأى الجميع ، كيف أن المسلمين غضبوا بسبب ما فعله أولئك الأقزام السفهاء في الدنمارك تجاه رسولنا – عليه الصلاة والسلام – وهذا الغضب غضب محمود يثاب عليه المرء المسلم ، ولكن مما يلزم معرفته ، أننا في حقيقة الأمر انما ندافع عن أنفسنا وعقيدتنا ، حيث رضينا به رسولاً نبياً ، ومازلنا وسنظل نردد صباحاً مساء : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد $ نبياً رسولا ، وإلا فإن الله قد دافع عن رسوله ويدفع عنه { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} (الحج:38) فلسنا بحديثنا نرفع ذكره فقد رفع الله ذكره { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } (الشرح:4) ، ولسنا بحديثنا عنه نقطع دابر عدوه فلقد قطع الله دابره { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ } (الكوثر:3) { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } (الزمر:36) . ولئن استهزي برسولنا فلقد استهزئ بالأنبياء قبله { وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } (الأنعام:10) ونبينا - عليه الصلاة والسلام - ميت ، وجسده الشريف حيث قبره الشريف في المدينة النبوية ، وأما روحه ففي أعلى عليين ، فهو لا يعلم ولا يحس ولا يتألم بما يقوله ويرسمه أولئك الأقزام ، ولكن دعونا بدفاعنا عنه ندافع عن أنفسنا ، ونرفع ذكرنا ، ونقطع دابر عدونا ثم تعالوابنا لنتعرف على ما قالوا عنه من كذب وافتراء !! قالوا : محمد رجل حرب وإرهاب ، يقتل ويأسر ويأمر أصحابه بذلك !! قالوا: محمد يجمع الأموال لنفسه ويسرقها !! قالوا: محمد يبحث عن شهوته يجمع النساء ، وكان عنده فتاة صغيرة يعنون ( عائشة ) . { ... كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً }(الكهف: 5) . فالجواب : أن من عرف سيرته ودرسها وتأملها غاية التأمل ، أيقن أن محمداً رجل رحيم وكريم ، ذو مشاعر وأحاسيس ، وأخلاق ، يعطف ويتجاوز ، ويعفو ويبذل ، ويضحي ويرحم ، لا فاحش ولا متفحش ولا بذيئ ، لا يلعن ولا يشتم يحترم الآخرين ، وينزلهم منازلهم ، حتى وإن كانوا أعداءه ، يرد الجميل ويبذل المعروف ، ويكرم الضيف ويساعد المحتاج ألفاظه رائعة جميلة ، لا يجرح ولا يلعن ولا يسب ، ولا يشتم ، يدعو للإسلام والسلام يكره الفتن والشحناء والبغضاء والدمار ، يحب الاسم الجميل والكنية الجميلة يعطف على الصغير قبل الكبير وعلى الأنثى قبل الذكر ، لا يحب الظلم ولا يظلم يقدم على نفسه كل إنسان ، لايأنف من قبول الحق ، ولو كان من أعدائه ، قبل الحق من اليهود وأقر به ، وقبله من المشركين واعترف به ، وأخذ بالحق وصدع به ، يعرف الفضل لأهله وهذا يعرفه تمام المعرفة من درس حياته ، وما تقدم من كلامي له ما يدل عليه من سيرته ، فتعالوا لنجيب على ما قالوا : قالوا : رجل حرب وإرهاب . فأقول : الناظر في حروبه كلها ( بدر - أحُد - الأحزاب - صلح الحديبية - فتح خيبر فتح مكة - الطائف - تبوك ) كلها كانت البداية فيها من أعدائه ، فهم الذين أعلنوا الحرب في بدر ، وهم الذين غزوا المدينة في أحُد ، وهم الذين حاصروا المدينة اقتصادياً وعسكرياً في الأحزاب ، وهم الذين صدوه عن مكة يوم الحديبية ، وهم الذين نقضوا العهد معه في بني النضير وبني قريظة ، ولما غلبهم في فتح مكة عفا عنهم أجمعين ، وفي تبوك هم الذين قتلوا رسوله والرسل لا تقتل !! وهم الذين بدؤوا الحرب أول مرة وليس رسولنا ، مع أنك لو تدبرت سيرته – عليه الصلاة والسلام – لوجدت أنه يعفو عن الأسرى ، والمواقف كثيرة والمشاهد عديدة ، فقد عفا عن أسرى بدر ، وكان رأي أصحابه بالأكثرية أن يقتلوا ، فهو رأي عمر ، وسعد بن معاذ ، وعبدالله بن رواحه وغيرهم ولكنه الرحمة المهداه – عليه الصلاة والسلام – { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } (الانبياء:107) . أحب أن يعفو عنهم وهم أعداؤه ، وقل ذلك في قصة/ ثمامة بن أثال لما عفا عنه ، وكذلك في قصة الأعرابي الذي أخذ سيف رسولنا وهو نائم ، وأراد أن يقتله فعفا عنه رسولنا - عليه الصلاة والسلام – فلم يكن إرهابياً كما يقولون ، ولا قاطع طريق كما يصفون ، بل يكره حتى اسم الحرب ، فإن علياً لما ولد له/ الحسن سماه حرباً فقال النبي بل هو/ حسن ، ولما ولد/ الحسين سماه علي حرباً ، فقال النبي : لا بل هو/ حسين . وقالوا: يجمع الأموال ويسرقها . فأقول : لما رجع من حنين – عليه الصلاة والسلام – كان معه أربع وعشرون ألفاً من الإبل ، وأربعون ألفاً من الغنم ، ناهيك عن أوقيات الذهب والفضة المنثورة بين يدي رسولنا فاجتمع الناس كل الناس كل يرجوا أن يأخذ من هذا المال وتلك الغنائم ففرقها جميعاً في الناس ( الإبل والغنم وأوقيات الذهب والفضة ) ثم رجع إلى منزله وليس معه ثمة درهم . تقول عائشة : نظل الشهر والشهرين لا يوقد في بيتنا نار ، كان يربط على بطنه الحجر من الجوع يوم الأحزاب ، خرج مرة من بيته من شدة الجوع – عليه الصلاة والسلام – فهل يعقل أن هذا الذي يجوع يكون سارقاً ، حاشاه ثم حاشاه . قالوا: محمد يبحث عن شهوته ويجمع النساء وعنده فتاة صغيرة . فأقول : ليعلم أن النبي كان زواجه لمصالح عظيمة ، لحبه في أشخاص ، وتأليفاً لقلوب آخرين ، وشفقة على بعضهن ، ورحمة لبعضهن . تزوج بنات أشخاص ناصروه وساعدوه ، فتزوج/ بعائشة لمكانة أبي بكر عنده ، وتزوج بحفصة لأجل عمر ، ولم يذكر عنها كبير جمال ، ولكن من أجل/ عمر ، ونكح/ أم سلمة وهي ذات عيال كبيرة في السن رحمة بها بعد موت/ أبي سلمة ، ودخل/ بصفية رفعاً لحزنها ، حيث قتل أبوها وأخوها وقومها ، عقد على/ أم حبيبة ، رملة بنت أبي سفيان بنت زعيم قريش ، لأنها قد هاجرت إلى الحبشة وضحت بأهلها ومكانتها حيث تنصر زوجها / عبدالله بن جحش في أرض الحبشة ، فأخذها النبي رفعاً لشأنها وتأليفاً لقلب / أبي سفيان وتزوج/ بجويرية بنت الحارث بنت سيد قومها فاراد أن يرفع ذكرها وكما يقال ( ارحموا عزيز قوم ذل ) وتزوج بأم المساكين / زينب بنت الحارث لأنها ذات صدقة وبذل ، وبنى/ بزينب بنت جحش لينهي عقيدة التبني ودخل/ بسودة بنت زمعة وعمرها ثلاث وخمسون سنة ، وكلهن -رضوان الله عليهن- ثيبات مطلقات كبيرات إلا/ عائشة ، فعل ذلك لمصالح ، ولكنهم يكتمون الحق وهم يعلمون !!. { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (البقرة:146) . { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (لأعراف:157) { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } (الفتح:29) . ومع إيماننا أن النبي له شهوة قد ركبها الله فيه فهو يأكل ويشرب وينام ويستيقظ ويحب النساء ويجامعهن ، ولكن كانت له أهداف سامية ومقاصد نبيلة في كل امرأة تزوجها . محمد رسول الله ذو أخلاق عالية وصفات نبيلة ، ذو اسلوب رائع حتى في معاملته مع الأخرين حتى مع أعدائه . تأمل لما كتب إلى ملك النصارى/ هرقل ، في البخاري أنه كتب ( من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم ، إلى أن قال { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} ... ) وكتابه الآخر إلى كسرى ملك الفرس ، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس ...) تأمل الأدب الجم ، والخلق الرفيع ، والأسلوب الحسن في مكاتبته أعداءه . في غزوة بدر يقول - عليه الصلاة والسلام - من لقى طعيمة بن عدي فلا يقتله ، ومن لقى أبا البختري بن هشام فلا يقتله ، والسبب لأن لطعيمة معروفاً على النبي فأراد النبي أن يكافئه ، بل ثبت في البخاري أنه قال ، ( لوكان طعيمة بن عدي حياً ثم سألني أسرى بدر لتركتهم له ) كل ذلك رد للجميل ، مع أن/ طعيمة خرج يحاربه في بدر وأبو البختري بن هشام ، لم ينس موقفه النبيل ضد المقاطعة التي فرضت على بني هاشم . إن محمداً كان قمة في الذوق والعفو ولين الجانب وسرعة التسامح ، والكرم والبذل لم يقتل في حياته وحروبه ومواجهاته كلها إلا رجلاً واحداً هو الذي أصر على منازلة الرسول فقتله النبي – عليه الصلاة والسلام وهو / أبي بن خلف الجمحي في غزوة أحُد . فهل يكون هذا الذي هذه صفاته أرهابياً ، أجيبوا أيها الأقزام ؟ !! ثم ليُعلم أن حكم الله تجري في خلقه ، فما وقع وسيقع لابد أنه لحكمة بالغة ، سنة الله وقدره وقضاؤه - جلَّ وعلا - قد يظهر لنا بعض أسرار ما حصل ، كما أننا قد نجهل تلك الحكم . ولعل من حكم الله في قضاءه الكوني ، حول تطاول أولئك الأقزام على جناب رسولنا ما يأتي :- 1- ابتلاهم الله برسولنا لقرب عذاب ادخره لهم . 2- عظم محبة الله لمحمد حيث ابتلاه بطعن أولئك السفهاء ( يبتلى الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على قدر دينه .. ) . 3- أحب الله أن يرى ماذا تقدم أمة محمد لنبيها دفاعاً ورضاً عنه . 4- لكي يرجع الناس أفراداً وشعوباً وحكومات إلى هدي النبي سلوكاً ومنهجاً ، ويدعوا عنهم التعصب للرموز والجماعات في هذا العصر ويتعصبوا لنبيهم . 5- كي تقف الأمة على حقيقة ضعفها في دينها ، ومكانتها في هذا الزمن . 6- ليميز الله الخبيث من الطيب في هذه الأمة . 7- لكي يظهر جلياً وللأسف الشديد ، إفلاس الأمة في معرفة سيرته وحياته . 8- لكي يعتبر الدعاة والمصلحون ، ويصبروا على البلاء والنقد والكذب في حقهم . 9- لكي يظهر بعض الغرب الكفر على حقيقته . 10- كي ترتفع مكانة رسولنا مع علوها و شرفها ، وتسموا مع سموها أثراً وتأثيراً على العالمين . 11- أراد الله أن يقيم الحجة على خلقه مسلمهم وكافرهم . 12- أراد الله أن يعرف الغرب محمداً ويسمعوا به لتقوم بذلك الحجة ( لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أهل النار ) . 13- ضرورة الرجوع إلى قولنا في كل يوم ست مرات ( رضينا بالله رباً ، وبالإسلام ديناً وبمحمداً نبياً ورسولا ) . وأن ننتقل من قول ٍ نظري إلى عمل تطبيقي . 14- امتحان الحكومات وماذا تقدم لرسولها . 15- رسولنا شخصية عظيمة ومؤثرة ، وهذا يظهر جالياً في كثرة خصومه ، ومنتقديه ، وكما يقال ( تعرف شخصية المرء بكثرة خصومه ، وكل ناجح له أعداء ) . وإلى اللقاء ... فهد بن سليمان بن عبدالله التويجري مدير إدارة الأوقاف بمحافظة المجمعة [email protected]