قدَّر الله عليَّ، وكنت من المتواجدين في أمريكا عند وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر. مهما طال بي المقال، لن أستطيع أن أصف حجم المأساة و البؤس و الشقاء الذي مُنِيَ به المسلمون عامة و السعوديون خاصة في أمريكا في تلك الأيام النحسات. تماما كما هو متوقع من أي إنسان مسالم برئ، لم أقدر الحجم الكارثي للحدث لأنني ببساطة لم يكن لي فيه لا ناقة و لا جمل. لم أستوعب حجم الكارثة إلا بعدما ذهبت لصلاة الجمعة في جامع المدينة التي كنت أقطن فيها؛ لقد كان المسجد الذي يكتظ بالمصلين في الجُمَعِ خاويا على عروشه إلا من صفوف قليلة اصطفت خلف الإمام، و كان خفقان قلوبها الوجلة يكاد يطغى على تكبير حناجرها المرتعدة. بعد الصلاة، قام أحد المبتعثين السعوديين آن ذاك، وتحدث قائلا: \"أيها الإخوة، لماذا هذا الشعور بالخوف و الرعب، نحن لم نرتكب جرماً ...الحقيقون بالخوف و الرهبة هم الإرهابيون، وليس نحن... قولوا هذا الكلام لجيرانكم و زملائكم الأمريكين، قولوا لهم بأنكم لن تعتذروا عن خطأ لم تقترفوه، قولوا لهم اذهبوا و صفوا حساباتكم مع أعدائكم بعيدا عنا...\". كان لكلماته وقعٌ و أي وقعٍ في طمأنة نفوسنا المضطربة؛ لكن سرعان ما كشفت لنا الأيام أن صاحبنا كان مخطئاَ. سرعان ما كشر الأمريكيون عن أنيابهم، وتخلوا عن منطقهم و عدالتهم المزعومة – حكومة و شعبا. انتشرت جرائم الكراهية ضد المسلمين على نطاق واسع في كثير من الولاياتالأمريكية، و مورست ألوان من الاضطهاد الديني و الإيذاء العقدي كانت كفيلة- وزيادة- بإرهاب عشرة ملايين مسلم في أمريكا. أطَّ المسلمون بوزر الانتقام الأمريكي الأرعن، فأذعن بعضهم بترك الصلاة في المساجد، وبعضهم توقفوا عن التبرع للجمعيات الخيرية، وآخرون حلقوا لحاهم و شواربهم و صبغوا شعورهم و لبسوا العدسات الملونة ليبرؤا أنفسهم أمام العم سام الغاضب من تهمة الإسلام. سعودي..تهمة! وإذا كان الإسلام في ذلك الوقت تهمة، فما بالك بتهمة السعودية! طبعا، كان للسعوديين نصيب الأسد من حظوة العم سام الترهيبية، فمن زيارات ترويعية قام بها مغاوير الإف بي آي الأشاوس لبيوت السعوديين، أرهبوا بها الرجال و النساء و الأطفال، إلى تفتيش مذلٍ تصدى له وطنيوا الجوازات و الهجرة في المطارات (مارسوه بمجرد رؤية الجواز الأخضر!)، إلى إسفاف مقذع و تنكيل مهين تلذذ بممارسته ساديوا (موظفوا) السفارة الأمريكية بالرياض لمراجعي الفيزا، إلى..، إلى..، إلخ.. إعلام حقير هل أنا بحاجة لأن أنقل لكم تعاسة و حقارة و لعانة الإعلام الأمريكي في ذلك الوقت؟ لقد تسابق الأمريكيون يمينيون و يساريون بِسَبِ الدين الإسلامي، و تهافت المذيعون والمقدمون على تقذيع و تقريع المسلمين كافة و السعوديين خاصة، و تلاحق المحللون و الخبراء و المنظرون للنيل من أعظم و أكرم و أجل بشري وطأت قدماه بسيطة الأرض – رسولنا محمد صلى الله عله و سلم. ماخفي أعظم.. هذا غيض من فيض جرى في داخل حدود سيدة الحرية و قبلة الإنسانية؛ أما خارج حدودها، فقد قامت حكومة الديمقراطية بتحويل المعمورة إلى ساحة معركة أرهبت فيها بقية المسلمين؛ فهناك قصف و قتل، وذاك حصار وجوع وذل، وهنا تعنيف سياسي، و مراجعة لثقافات و معتقدات و عادات ومناهج يتم على إثرها إعادة التعاريف و سبك معطيات التاريخ، وصياغة الوحي بما يتوافق و رؤى إرهابيي المحافظين الجدد بزعامة \"التكسساوي\" بوش الابن و غربان البيت الأسود. مجلس الأمير محمد و برجي التجارة اليوم، عاد بي مشهد \"التعنتر\" الليبرالي الذي خلفه الإعتداء الآثم على الأمير الرمز صاحب السمو الملكي محمد بن نايف إلى ذكرى الحادي عشر من سبتمبر. فلماذا عادت بي صور المجلس إلى صور البرجين؟ . هل لأن الليبرالين الذين يمَّموا وجوههم شطر العم سام استلهموا طريقته، واعتموا قبعته، فقولبوا كل من ليس معهم بقالب الإرهاب و وسموه بوسم الضلال (على طريقة \"إن لم تكن معنا فأنت ضدنا\" بوش الإبن.) ؟ . أم لأن بعض الليبراليين الشاكين في وطنيتهم رأوا في هذه الكارثة فرصة نادرة لإثبات و لائهم و تبرئة ذمتهم الرقيعة من تهمة \"زوار السفارات\"، فطالبوا كما فعل صاحب زاوية \"إشراقة\" بتحويل البلد إلى ثكنة عسكرية يُفتَشُ فيها \"هؤلاء\" في الشوارع و الدوائرها و المدارس؟ . أم لأن الليبراليين استغلوا المأساة و زايدوا على الكارثة الوطنية لتصفية حسابات قديمة مع الإسلاميين (أقول إسلاميين و نحن نعلم أن غالبية شعبنا الغالبة هم – ولله الحمد و المنة – إسلاميون؛ و أغلب البقية الباقية يربأون بأنفسهم أن يُنعَتُوا بالليبراليين) تماما مثلما فعل عنصريوا أمريكا البيض الذين و جدوا في الحادي عشرمن سبتمبر فرصة سانحة لإشفاء غليلهم من \"الحنطيين\" المسلمين و السعوديين، و النيل منهم و التطاول عل مقدساتهم؟ . أم لأن الليبراليين المُبتلين بداء التفسخ وجدوا في مأساة الوطن غنيمة باردة لرد صفعات الإسلاميين – حماة الفضيلة و ذوَّاد الرفعة - التي انهالت تلهب أصداغ إعلامهم، و مسلسلاتهم، و \"طاشهم\" منذ أن هلَّ هلال الشهر الفضيل؟ مزايدات رخيصة أيها السادة، أعتقد أن الليبراليين بحاجة إلى دورات مكثفة في \"المرجلة\"؛ فالاستغلال الرخيص لمآسي الوطن و المزايدة الوضيعة بالتعميم لخلط الإرهابي بإمام المسجد و بالعالم و بالمفتي نقيصة و قادحة حري الترفع عنها. دبلوماسي سعودي ضد أمريكي حدثني دبلوماسي سعودي بأنه بعدما تهجم عليه دبلوماسي أمريكي في أحد الإجتماعات (من نافلة القول ذكر الصلف و الوقاحة الأمريكية المشهورة) و حاول التلميح بان السعوديين ما هم إلا طغمة من الإرهابيين، أجابه الدبلوماسي السعودي قائلا: \"يصعب علي تخيل منطقٍ – أي منطقٍ - يستخدمه إنسان عاقل –أي عاقل- ليبرر صَبغَ عشرين مليون سعودي بجريرة خمسة عشر إرهابي...\" عسى أن يكون في كلام الدبوماسي لليبراليين عبر! وقفة مع الحرباء كاد أن يفوتني أن أنوه بأن بعض المحسوبين على الإسلاميين تصرفوا مثل ما تصرف السعوديون الذين حلقوا شواربهم و صبغوا شعورهم في أمريكا ..عيب والله عيب! الثبات هو الوسم الذي يزين الرجال و يصنع التاريخ...و التلون بألوان المعطيات سمة الحرباء (الحرباء: حيوان زاحف!). سعد العواد