1 يرفع يديه إلى السماء حامدا ربه على السلامة ، بعد أن أقفل باب غرفته في الفندق ، وهو يكاد يلمس حلمه الذي تحقق في إكمال دراساته العليا في هذه البلاد البعيدة ، بعد أن حصل على البكالوريوس بتفوق ، على أمل أن يعود بالماجستير والدكتوراه لخدمة دينه ووطنه ونفسه.. 2 يدخل رجلُ الأعمال الشاب الفندقَ ، وفي عينيه إصرار وتحد وأمل كبير في غد مشرق ، بعد أن وصل للتو من الوطن ، وهو يحمل ملفاً لمشروع تجاري ، يعتبره مشروع العمر ، ويتوقف عليه مصيره العملي ، يصعد إلى الدور الثاني حيث غرفته التي سوف ينطلق منها لوضع أولى خطوات تنفيذ المشروع الحلم.. 3 يدخل الفندقَ الداعيةُ الشابُ ، حاملا المصحف في يده اليمنى ، وحقيبته في يده اليسرى ، ولسانه يلهج بذكر الله و في قلبه وحقيبته ما سوف يفتح باب الخير للفقراء والمحتاجين من المسلمين في هذا البلد البعيد ، ويبعث نورا في قلوب الحيارى التائهين.. 4 وفي بهو الفندق تقبع الفتاة المحجبة ، بعباءتها الفضفاضة ونقابها المحكم بانتظار أن ينهي عريسها إجراءات إقامتهما في الفندق لقضاء شهر العسل في هذا البلد الجميل على أمل بحياة عريضة مليئة بالبنين والبنات والعمل الصالح.. 5 أما هذا الرجل المسن الذي يستند إلى عضد ابنه الشاب ، وقد ظهرت على وجهه آثار المرض ، فإنه يقيم في هذا الفندق لمتابعة علاجه من المرض الخطير بعد فشلت كل المحاولات في بلده ، لعل وعسى ، وأمله في الله كبير.. 6 في ساعة متأخرة تقطع المحطة الإخبارية بثها المعتاد ويظهر المذيع المتجهم ناقلا الخبر التالي: دوى انفجار هائل مساء هذا اليوم في فندق ... والنتائج الأولية تشير إلى وجود وفيات كثيرة حيث شوهدت بعض الأشلاء متناثرة في الفضاءات المجاورة جراء شدة الانفجار، و قال شاهد عيان أن شاحنة كبيرة اتجهت نحو بوابة الفندق بعد أن تبادل قائدها ومساعدوه النار مع رجال الأمن على البوابة قبل أن يتم تفجيرها في مدخل الفندق ، ويقدر الخبراء تبعاً لقوة الانفجار أن تكون المتفجرات بحدود ستمائة كيلو جرام من مادة تي إن تي شديدة الانفجار.. ولم تعلن أي جهة مسئوليتها عن هذا الانفجار وسوف نوافيكم بأي مستجدات بهذا الخصوص.. 7 في وقت لاحق تعلن منظمة ......... مسئوليتها عن التفجير وتعد أنها لن تتوقف في سبيل القضاء على أعداء الأمة وأعداء الإسلام مفتتحة بيانها ومختتمته بآيات قرآنية.. 8 وفي الأخبار المحلية ، أن السفارة المعنية بدأت في جمع ما تبقى من أشلاء مواطنيها ، ونقل رفاتهم إلى أرض الوطن سائلة المولى العزيز أن يتغمدهم بفسيح جنانه ويلهم ذويهم الصبر والسلوان... هذه المشاهد المتخيلة حدث مثلها في عواصم ومدن عربية وإسلامية وأجنبية ، ومازالت المحطات الإخبارية تطالعنا بمثلها ، وهي مشاهد مرعبة لا يمكن أن يرضى عنها أي إنسان مسلم ، أو إنسان طبيعي في قلبه ذرة من رحمة ؛ فقتل النفس من الكبائر فما بالك إذا كان المقتول مسلما بريئا. أمرٌ مؤلم ومفزع ومخز ومفجع أن يكون قتل الأبرياء من المسلمين وغيرهم والتمثيل بجثثهم يحدث باسم الإسلام .. الإسلام دين الرحمة الذي يحرم قتل النفس إلا بالحق.. قال الله تعالى ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء:93) وقال تعالى ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً) (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً) (الفرقان:69) وقال تعالى ( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) (المائدة:32). ومن أقوال نبي الرحمة عليه أزكى الصلاة والسلام : ( لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم ) ( لأن تهدم الكعبة حجراً حجراً أهون على الله من أن يراق دم امرئ مسلم ..) ( أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء ) المصيبة أن يحدث كل ذلك القتل ، والتخريب ، والتدمير باسم الإسلام ، دين الرحمة والرفق بالإنسان و الحيوان وحتى النبات والشجر....الإسلام الذي يرى أن في كل كبد رطبة أجر .. ويمنع ذبح الذبيحة على مرأى من أختها .. و يدخل النار امرأة في قطة حبستها .. ويدخل أخرى الجنة في كلب أطعمته.. هب أننا مظلومون وتكالبت علينا قوى عظمى غاشمة ، وسلبت وطنا وأرضا ، هل ذلك مبرر للقتل العشوائي للأبرياء !! حيث تشير الحقائق عن العمليات الإرهابية التفجيرية إلى أن ثلاثين مسلما بريئا يقتلون في العمليات التفجيرية العشوائية مقابل شخص واحد غير مسلم .. وفي ذلك دلالة على تغييب العقل.. إن أي عملية تفجيرية انتحارية لابد أن يسقط فيها أبرياء ، والقتلة يعلمون ذلك ، ويعلمون عظم جريرة أو ذنب من يقتل النفس - أي نفس - فما بالك إذا كانت نفساً زكية مسلمة !! ولكن زين لهم الشيطان سؤ عملهم ، وزين لهم شياطين الأنس هذه الأعمال الدنيئة البشعة التي تتنافى مع مبادئ الإسلام التي شرعت لخير البشرية .. [email protected]