!! مما لا ريب فيه ولا مشاحّة بان جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كسائر الأجهزة الحكومية الأخرى والوزارات التي لها استقلاليتها واعتباريتها وقوتها المستمدة من قوة النظام . لكن الذي يلحظة الكثير أن هناك تهجم غير مبرر على هذا الجهاز وتكاد تكون بعض الأقلام متخصصة في نقد هذا الجهاز الحيوي الفاعل . عبر مهمه التمرس النقدي تجاه الهيئة ورجالاتها بعيدا عن التقى الفكري وهؤلاء بحاجة إلى إعادة بناء وتركيب القناعة الذاتية بأهمية هذا الجهاز وانه يعد ركنآ من أركان البناء الوطني والديني في هذا المجتمع القويم والذين ينتقدون الهيئة مقاصدهم مُخاتَلَة ومراميهم مبطّنه وأساليبهم مخرومة يعمدون إلى غمط الحقائق ذلك أن أدمغتهم مفخّخة حتى وان أدعو معاني الحق والخير فهم يرمون إلى أبعاد غير مرئية ويعمدون إلى تمويه المقاصد لعلمهم بان التمرس بالنقد يفضي لكسر الارادة والهمم العالية وهذا مرجعه لتكوّن نسيج من الأحقاد والبغضاء وتوتر الهدف كونهم يجسدون النموذج الريبي فهم جهلة لأنهم يحلمون بفراديس الشهرة وظهور أقلامهم والاقبال على كتاباتهم . ونحن لا ندعو إلى التقديس المطلق .. فالهيئة كغيرها من الإدارات الحكومية حتما سيكون عليها من الملاحظات والتجاوزات لكننا نجد أن أخطاء الهيئة تكون دائما تحت المجهر الدقيق فالذي ينبغي هو التعامل مع القضايا بحيادية وإنصاف بدون جور أو تعدي فلا احد فوق راسة خيمة مقدسة . وأنا لست مع من يقول بعسكرة الهيئة لتباين المهام والصيغ ، فعمل الهيئة تتخلله روح العبادة . ولا يستوي مع نظام الصرامة والحزم والقطع فالمنهج الذي تسلكه الهيئة هو مسلك النصح والدعوة بالتي هي أحسن وليس بالفرض واستخدام قوة وهيبة النظام كما في النظام العسكري . يقول الحق تبارك وتعالي : ((كنتم خير أمه أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر)) دلّت هذه الآية المشرقة أن اقتضاء مفهوم الخيرية يأتي من لوازمه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وان مفهوم الخيرية مقترنة بهذه الوظيفة الجليلة ، وتميّز الأمم وخيريتها وأفضليتها عندما يربط بشعيرة معينه فان ذلك يدل بشكل حتمي على أهمية هذه الشعيرة وقدسيتها وهذا العمل الذي بسببه تحققت الخيرية وسبق الفُضلى هو بطبيعة الحال لا يقوم في ارض الواقع إلا من خلال الفاعل البشري الذي هورجل الهيئة الذي يفترض عليه حينما يمارس هذا العمل أن يتغيّا بالخيرية وإنفاذ هذه الصيغة التعبدية تقربا لله تعالى وتديّنا حيث أن الآية إضفاء وصف خاص لحالة خاصة في مجتمع خاص . ومما يتاح للمتأمل تلمّسه أن هناك وحي ضمني يفهم داخل سياق الآية وهو ان انكسار النموذج أو تصدعه وتخاذله إزاء هذه المهمة سيؤدي إلى انكماش وتضاؤل وتزحزح مفهوم الخيرية وفي هذا دافع قوي ومحرك مكين لتفعيل هذه الشعيرة والاهتمام بها ليس على مستوى العاملين من رجال الهيئة ولكن أيضا على مستوى أفراد المجتمع . فالمفترض أن يكون كل مواطن هو رجل هيئة كما هو بالضرورة كل مواطن رجل أ من . من هنا تتشكل شبكات مفهومية تفضي إلى ضرورة انمحاء إشكالية الفهم الخاطئ لرسالة رجال الهيئة لا سيما أن الجهاز يرزح تحت مد هائل من الضغط الإعلامي الذي يتحيّن الفرصة لوقوعهم في شراك النقد الإعلامي غير المبرر أحيانا . على نحوٍ يفُضي بقطع وشائج التقدير لجهودهم البناءة ويعزز من منطق الصدام الذي يغلب في كثير من الأحيان ويعبّر عن صورة سيئة عن رجال الهيئة وحالة عدم الوفاق وتجسيد استراتيجية عدم القناعة برسالتهم والقدح والتبخيس من دورهم . بعد هذا القول بات من التبسيط أن نعرف أساس المشكلة التي باتت تعبر عن أزمة أكثر غورا بين أفراد المجتمع ورجال الهيئة ومن خلال ذلك أحب أن أوجه النقاط التالية إلى المسئولين في الهيئة ادعوا فيها إلى ابتكار الأفكار بعيدا عن التأثر بأقاويل المرجفين وتشبيحات الفئات المرجفة انطلاقا من شعار : ((لا تنمية بلا ابتكار أفكار)) .......... فهذا من شانه أن يجعلها معياً ومنبعاً للعمل المثمر البناء حتى يكون لبلدنا العزيز الخيرية والميزة المطلقة على شعوب العالم وان تجعل نصب عينيها في إدارتها منطق .. الخلق .. والفتح ..... خلق الكفاءات المتميزة عبر الدورات المكثفة والتعزيزية في مجال العمل .. دورات في السلوك والإخلاق والتعامل والقيادة والاجتماع التي تبعث فيهم التفكير الحي ، وفتح آفاق أرحب في مجال العمل بحيث بالإمكان أن تطال المزاولات جوانب أخرى مهرجانات دعوية وثقافية ومسابقات للشباب ومخيمات دعوية ونحو ذلك , ومع الدراسات المستفيضة سيتكوّن انطباع ايجابي خلاق حول هذه الأفكار دفعا لفرط تهويمات اللاواعي من قبل الفئات المرجفة الذين يصبّون جام غضبهم على الهيئة ورجالاتها وحماية لهم من تكالب ديناصورات الفسق وعجزة الأهواء ونماذج الضلال التي تهدف إلى شل الطاقات .. أن الهيئة مدعوة اليوم لمواجهه التغيّرات المجتمعية بتحديث أفكارها وأدواتها ورجالها عبر إعادة الصوغ والتشكيل , نحن بحاجة إلى رموز هيئية فاعلة لكن بصمت وحكمة وعلم ودراية فلا نريد الضجيج ولا النعيق نريد العمل بحكمة حتى تكون النتائج متبدّية للعيان وبالتالي يحكم المجتمع بنفسه على هذه النتائج . فالنماذج القديمة في الهيئة في رأيي أنها لم تعد صالحة لمواجهة التغيّرات المجتمعية واستنفذت أقصى ما لديها في ذات الوقت برزت الحاجة الملحة إلى إعادة نموذج رجل الهيئة بطراز جديد تلحّة وتفرضه المتغيرات الجديدة على صعيد المجتمع الجديد بثورته وعولمته وثقافته واجياله وسائر اطيافه . فعمل الهيئة لا يجدي إذا كان متناثراً وغير متلائم مع منطق التأقلم مع المجتمع والبيئة المحلية ، كما أن خريطة الآداء في الهيئة بحاجة إلى تفكيك وإعادة جدولة حتى تلامس الآفاق وحتى تتمازج وتتسق مع روح المجتمع وأبنائه وسائر فئاته ، ولا نشك برهة في سمو الأهداف وارتقاء الغايات لدى رجال الهيئة الشرفاء غير أن الأسلوب وطريقة الآداء يُعدان عاملان مهمان في تتويج النجاحات بمسيرة متكافئة مع ما تتغيا به من غايات نبيلة . فالحاجة باتت ماسة إلى اجتراح ((بالجيم)) وعمل تركيبات مزجية لأفراد الهيئة تتم هندستها بشكل يتلاءم مع روح العصر وتركيبة الشباب الجديدة ومظاهر التقانة الحديثة . فعمل الهيئة اليوم ليس كعملها قديما عندما كان العمل يرتكز على القوي الديناميكية ذات الهيمنة القسورية ! حينما كان المجتمع يرسم رجل الهيئة بانه بعبع جلاّد فهذه النظرة ولّت وانتهت ، عمل اليوم بحاجة إلى إعمال المنطق السليم والحكمة البالغة وهدوء الأعصاب وسكينة المشاعر لا الاندفاع والتهور والعجلة . إن أي خطا أو أي سلوك ينحى طريقة القسورة من شانه أن يفعل فعله في التشيي في الهيئة من قبل المجتمع برمّته ونيل سمعة مغايرة للمأمول . أن مقتل أي عمل أو أي جهد هو في أسلوب تقديمه للناس والشكل الذي يغلفه وطريقة الآداء هي التي تحدّد ماهية النتائج والحكم الصادر نحوها من هنا يجب تحاشي الأساليب التي تفضي إلى هدر الجهود وإماتتها . (( يا رجل الهيئة )) : لا تحبسنّ ذاتك في ركنٍ قصي ضدّاً تجاه المخالف ولا يأخذ نك الحماس لمخالفة المنكر وحتماً أن المخالف مهما يكن .. ليس أبا جهل .. وأنت مهما تكن لست عمر بن الخطاب .. !واحذر كل الحذر من جرثومة التضاد ورفض الأخر ومفارقة المجتمع استنادا لمنطق الغائي غير مستقيم لبنائه على إنقاض الهوى والعاطفة غير الموزونة ، واحذر من الأسلوب التصادمي فهو من الأساليب ذات البعد ألتقادمي ، فالهيئة في غنً تام عن الأعضاء الذين يجعلونها دائما في مآزق أمام المجتمع أو الجلوس في محاكم والنظر في قضايا التعدي أو الشبه أو نحوا من ذلك . فالهيئة جهاز دعوي جليل وهو ارفع من أن يكون اعضاؤة جلساء أمام القضاة وعرضةً للإدانة والعقاب . الذي نريده من رجل الهيئة أن يكون عُملةً حضارية أخلاقية تقبل الصرف والتداول في قلوب وذوات المجتمع بكافة أطيافه وطبقاته حتى يكون عضو الهيئة نموذجا فاعلا في مسيرة البناء والإنماء الدعوي والأخلاقي النبيل . ثم ليعلم عضو الهيئة إن هو إلا رقم في حشد هائل ولا يتاح له التميز إلا من خلال أسلوبه في إنكار المنكر . وأنا اقترح هنا على المسئولين في الهيئة أن يعمدوا إلى خلق فكرة : ((وسام الإمام محمد بن عبد الوهاب للعضو المميز)) يمنح في كل عام لرجل الهيئة الذي يُحدث تميزاً فاعلاً في عملة ومسيرته . إن المهمة التمثلية لرجل الهيئة ليست حكرا فقط على مسالة متابعة أحوال الناس وقت الصلاة وفي الأسواق والمحلات ومتابعة النساء والتأكد من التزامهن بالحجاب الشرعي ، فالمهمة الانهمامية أعمق من ذلك السلوك بكثير تمتد إلى جذور الحياة وطبيعة السلوك الذي يمارس ومتابعة الأخلاقيات وشتى أشكال الانحرافات والوقوف على الفضائل المجتمعية ومدى توغل ممارسات التفقير الأخلاقي داخل بُنية المجتمع والحفاظ على هويته من أن تمسّها أيادي العابثين والمارقين وهذه المهمات ليس من المناسب أن تقوم بها بصيغ مباشرة بدائية تحمل ميسم العنف والقسوة بل من خلال منظورات ذات دلالات قصدية وأساليب توحي بعقلنه الصيغ وسمو الارتقاء بوظيفة رجل الهيئة . ان حالة الاستقراء لقضايا الهيئة على الساحة المجتمعية تنبئك بان هناك جهودا صموتة لإبطال تلك القنابل الموقوتة التي يعمد البعض إلى إشعالها من حين إلى آخر بغية النيل والتشييء أو من خلال الإفساد في المجتمع وجرّه إلى الرذيلة وجلب وصنع المحرمات من منهيّات ومسكرات داخل مجتمعنا الأمن . إذن من على شرفة هذا الطرح .... لعل المراد يكون ظاهرا وجليا نحن نريد صورة أكثر نقاء لرجال الهيئة وهذا لا يتهيّأ إلا من خلال ما ذكرنا سابقا ومن خلال التموضع داخل سياق سمات الرهافة والبعد عن الجفاء والغلظة وعبر التأمل بوعي الإمكانات والصلاحيات والتعليمات الصادرة من قبل الرئاسة العامة للهيئات . وتجنب المواجهات الحدّيّة إلا في الحالات التي يكون فيها الحد مطلبا حيويا لإنفاذ روح الشرع وتجنب عواقب الشر بعيدا عن المماحكات التهويلية التي تمس جانب المختلفات من الأحكام والخلافات الفقهية ومسائل الفروع وذلك تثميراً لجهود المسئولين في الهيئة وسعيا لتحقيق الأخلاقيات في المجتمع وأملاً بوجود رجل الهيئة الاسمي حساً وتعاملاً وتديناً . خالد بن علي بن عبد الله الحسين [email protected]