المطالبة بخدمة المجتمع تنبع منذ اللحظات الأولى التي يتشكل فيها وعي الإنسان الفرد في المجتمع، باعتبار الفرد جزء من مجتمعه أولا، وباعتباره مسؤولا عن تصرفاته تجاه مجتمعه ومن يتعامل معهم، وثمة اعتبار آخر يتشكل من حيث إنّ الفرد عنصر فاعل في هذا المجتمع الذي نشأ فيه وترعرع بين جنباته، ولاشك أن خدمة المجتمع تعد واجبا أساسيا على كل فرد. والسؤال الذي يبحث عن إجابة هو: كيف يتشكل وعي الإنسان في مجتمعنا بأهمية ذلك ( خدمة المجتمع)؟ وكيف يمكن أن يخدم المجتمع ؟ أو ما أوجه الخدمة التي يقدمها لمجتمعه؟. وما دور التعليم في ذلك ؟ وربما هذا السؤال الأخير هو حجر الزاوية الذي يجب على القائمين في التعليم إعادة النظر فيه. لعل بناء مواطن فعال يشارك بإيجابية في خدمة مجتمعه، ويحمل المبادئ المثلى والقيم العليا طوال حياته، انطلاقا من محور التعلم مدى الحياة، هو من أهم العناصر التي يجب أن نربي أبناءنا عليها، فالتعلم والتعليم مستمران مدى الحياة، بل هو قبل ذلك منهج إسلامي / إنساني، يسمو بالإنسان ولا يقف به عند حدود الشهادات أو الوظيفة. وهذا التعلم المستمر مرتبط بالعمل الدائم الفاعل في خدمة الإنسان والمجتمع، ولن يتوقف الإنسان- عندما يستشعر قيمة وجوده في مجتمعه وبين قومه- عن العمل من أجل خدمة المجتمع. إن إعداد الإنسان لخدمة المجتمع لن يتمثل إلا بالاعتراف أولا - وقبل كل شيء- بقيمة الإنسان الفرد، هذا الاعتراف يساعد المواطن على القيام بدوره في المجتمع، ولكن هذا الاعتراف له اشتراطات أساسية انطلاقا من مبادئ مهمة تبني الإنسان في أي مجتمع، ولعل من أهم القيم تمثل القول المشهور ( قيمة كل امرئ ما يحسن )، وهذه ( القيمة = الإحسان ) لن تتشكل إلا بغرس سليم في مرحلة الغرس، وهي التعليم. ولكن هل تعليمنا يساعد على بناء طالب يخدم المجتمع ؟. إنّ القيمة التي يكتسبها الإنسان في مجتمعه هي في إحسانه لعمل ما، وهذا الإحسان لن يكون إلا حين يتقن التعليم فنّ اكتشاف المواهب والقدرات التي يمتلكها الإنسان، ليكون عنصرا فاعلا في خدمة المجتمع. فهو حين يمتلك الدوافع الذاتية لخدمة المجتمع، يبادر ليوظف تلك المعارف والمهارات والقدرات المكتسبة في خدمة المجتمع، وثم يشارك ويتعامل مع أفراد مجتمعه بوعي واهتمام، لأن تقديره لذاته ومعرفته بقيمته سيساعده على تحقيق النفع العام، فيكون متواصلا مع الآخرين بشكل إيجابي وفعال. إن أول خطوة في رفع درجة الإحساس في أهمية الإنسان في مجتمعه، ودوره الفاعل فيه، تبدأ من تقرير برنامج كامل في المراحل التعليم ( المتوسطة والثانوية) لخدمة المجتمع، بحيث يكون متطلبا من متطلبات التخرج من المرحلتين، ويخصص له ساعات عمل داخل المدرسة وخارجها، ويعطى الطالب بعد ذلك شهادة تفيد خدمته للمجتمع. وهي ساعات عمل – من دون مقابل مادي - موزعة على عدد من المجالات تعود بالنفع على الطالب أولا والمجتمع ثانيا، ويعد لها من الاستمارات والنماذج التي يبين من خلالها انجاز الطالب من عدمه. وهي ساعات لا تحسب بالمعدل العام للطالب لكن انتقاله ونجاحه مرتبط بانجازها، فالطالب ينتظم في خدمة المجتمع داخل البيئة المدرسية أيام الدراسة، وينتظم في الصيف في أنشطة خدمة المجتمع خارجها. ولا بدّ من تحدد المجالات المتاحة لخدمة المجتمع داخل المدرسة وخارجها، ووضع المعايير التي يتم من خلالها تقييم أداء الطالب وانتظامه في ذلك، وتحدد مسؤولياته ومسؤوليات ولي الأمر أيضا، ومسؤوليات المؤسسات والوزارات المتعاونة في البرنامج. ولعل من أهم المجالات التي يمكن أن يبدع فيها الطالب في خدمة المجتمع ( التثقيف الغذائي والصحي– التثقيف البيئي– التثقيف المواطني– التثقيف الاستهلاكي– التثقيف الاجتماعي والنفسي ) هذا داخل المدرسة، أما خارجها فهي تشمل ( المستشفيات- جمعية الهلال الأحمر- رعاية الأيتام– ورعاية المعوقين- المكتبات ومصادر التعلم- والوزارات- والجهات الأمنية ... وغيرها ). لعل هذا جزء من صناعة الإنسان في مجتمعنا بعيدا عن التنظير الذي سئم منه أبناؤنا، وهو – أيضا - جزء من مشاركة فاعلة لهم في بناء مجتمعهم وإحساسهم بوجودهم فيه، وإبراز لدورهم وعطائهم، واستشرافا لمستقبلهم بأيديهم، واستكشافهم لمهاراتهم وميولهم وتنفيذها عمليا، واكتساب الخبرات المختلفة، بدلا من لغة التجاهل التي تمارس معهم بأساليب مختلفة، أو التهميش الذي يقتل روح الإبداع والتفاني فيهم، مزيلا الأنانية التي تملأ القلوب، ومنتشلا العديد منهم من براثن عدم الفاعلية وعدم الأهمية التي تستولي على كثير منهم. أحمد اللهيب [email protected]