خرجت قبل غروب شمس يوم السبت 14/5/1430ه بثلث ساعة أو أكثر بعد أن ارتديت حذاءي المعد للمشي متوجهاً إلى مسجد اللسيب ، والذي يبعد عن منزلي أكثر من (1600 ) متراً ، وكنت قد رغبت من ابني سليمان أن يصحبني ( ابني سليمان عمره ( 11 ) سنة ) ولكنه قدم اعتذاراً لطيفاً وغريباً ، خرجت من داري أمشي خطوة تعقبها خطوة كالمعتاد ، أمشي مسروراً استنشق الهواء الطلق ، وأنظر في الفضاء الواسع ، وأتأمل في جو السماء ، حتى إذا ابتعدت عن منزلي ( 200 ) متراً ، أو ما يقاربها ، وليس حولي أحد من خلق الله ، وفجأة إذا حجر يتدحرج قريباً من قدمي ، فالتفت فلم أر شيئاً ، من الذي رمى الحجر ؟! لا أحد !! ثم قلت في نفسي غريب عجيب ثم فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الطريق الذي أسلكه في أرض فضاء ، حيث نسكن شرق الدائري الغربي لمدينة بريدة ، وليس على الطريق بنيان أو جدران أو مزارع أرض فضاء ، طريق خاشع قل أن تسلكه سيارة ، إلا أن على جانبي الطريق بعض الكثبان الرملية الصغيرة ، واصلت طريقي ، حتى إذا قطعت ثلاثين متراً تقريباً ، إذا بحجر ثاني يتدحرج حول قدمي كاد أن يصيب عقبي !! ، فالتفت بسرعة فلم أر مخلوقاً ! الجو ساكن ! لا صوت ! أو حركة أو حس ، فمضيت خائفاً أترقب { فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ } (القصص: 21) ، ثم قلت للمرة الثانية أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ثم مضيت أمشي وأمشي وأسرعت أسابق الوقت ، حتى إذا سرت مثلها أو ما يقاربها إذا حجر ثالث يتدحرج أمامي بقوة أشد من المرتين الأوليين !! فالتفت ثالثة فلم أر شيئاً البتة ، فأخذت بيميني عصا على قارعة الطريق أتسلح واستعين بها على هذا الجني الذي آذاني واشتغلت بالذكر حتى إذا قطعت مسافة خمسين متراً أو أكثر ، وقد فرغ المؤذنون من آذانهم لصلاة المغرب ، وأنا أقول في نفسي لن أسلك هذا الطريق مستقبلاً ، لأن الجن سيؤذيني وقد يقتلونني ، ولكن لماذا طيلة أعوام مضت لم يفعلوا هذا ، إن هذا لشيء عجاب ، يبدو أني سأصلي المغرب مستقبلاً في مسجد والدي بجوار منزلنا ، ولا داعي للمشي الذي منه هذه المخاطر والمضايقات ، ثم تذكرت حديث ( أن الجن ينتشرون مع غروب الشمس ) فجزمت أنه جني يطاردني ، قطع تفكيري وخوفي صوت شخصٍ يمشي خلفي ، فقلت في نفسي هو والله الجني الذي كان يرمي بالحصى !! يريد الاعتداء علي هذه المرة فتحفزت جداً ، فاقترب مني ثم اقترب !! حتى أني تهيئت لأقوى مواجهة في حياتي ، فالتفت فإذا هو ابني سليمان - هداه الله - فضحك وضحكت !! ، فرحت لأنه ليس من الجن ، وآسفني جداً هذا العمل الخاطئ ، ثم مضينا نمشي سوياً إلى المسجد ، أخذت أنهاه وأوئنبه على مثل هذا العمل وأن لا يفعله مستقبلاً معي أو مع غيري .. إلخ ( وقد كان ابني سليمان يكون خلف الكثبان الرملية الصغيرة عند رميه للحصى ) . ( ابني سليمان يحب المزاح ولكنه هذه المرة من العيار الثقيل شأنه شأن غلمان هذا الزمان ) . أخبار الجن اليوم كثيرة ، وهم أمة من الأمم ، ولكن دخولهم أو مضايقاتهم للأنس خرجت عن وضعها الطبعي في تقديري ، فأصبح الجن شماعة يعلق عليها القراء والمتطببون مرض الناس ، فإذا فشل الواحد منا في حياته قالوا: من الجن ! وإذا مرض قالوا: من الجن ! وإذا خسر أو كسدت تجارته قالوا: من الجن ! وإذا فصل من عمله قالوا: من الجن ، وإذا لم يطمئن في منزله الجديد قالوا: من الجن ، وإذا فشل في التعليم قالوا: من الجن ، وإذا فشل في حياته الزوجية قالوا من الجن ، وإذا أصيب بمرض نفسي قالوا: من الجن وهكذا ... مساكين الجن دائماً ما يرمون بالتهم جزافاً . الجن أمة مظلومة في تقديري ، وأكثر ما ينسب إليهم أساطير لا حقيقة لها ، ويخطئ بعض القراء عند ما يجزم أن المريض فلان فيه سكن ، بل إن بعض القراء يجزم أن في المريض عدد من الجن ، ثم يضرب المريض ويركله بحجة إخراج الجني ، سمعت أن داعية في الرياض يقرأ على المرضى ، وأنه ضرب مريضاً ضرباً مبرحاً مدعياً أنه مصاب بالمس ، حتى مات المريض من شدة الضرب ، كلام فارغ ، وعمل فارغ ، وأكثر القراء كذابون أفاكون إلا من رحم الله ، والذين يترددون على القراء اليوم أكثرهم فيهم أمراض نفسية ليس إلا ، أو أن بهم جنون وعلاجهم لا يكون بهذه الطريقة ، كل من أصابه مرض نفسي أو جنون أو صرع قالوا: فيه جن ، الله يعين الجن يحملون مصائب وإخفاقات الإنس ، ولست هنا أنكر دخول الجني في الأنسي ، فهي مسألة مجمع عليها ، قال تعالى { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ... }(البقرة: 275) ، ولكن الموضوع أصبح أكبر مما يتحمله العقل لدى كثير من الناس وللأسف الشديد . واستغل القراء والمشعوذون والدجالون ، عقول وجيوب المرضى وذويهم ، فأخذوا يضحكون عليهم بقولهم فيك جني !! ولا أدري لماذا لا يدخل الجن في الراقصين والراقصات ، والمغنين والمغنيات ، والكافرين والكافرات ، ثم أن الجن أمة جبانة ضعيفة كما ثبت ذلك ، يخافون منا أشد الخوف ، ويهربون من أماكننا ، ويذهبون منا كل مذهب ، حتى إذا عرفوا أن فينا خوفاً منهم تجرؤا علينا ، يقول تعالى { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً } (الجن:6) . وأخير أتقدم أصالة عن نفسي ونيابة عن إخواني الأنس بالاعتذار الحار للجن ، وأطلب العفو الصفح مما بدر مني هذه المرة من اتهامٍ صريح لهم ، أو صدر من إخواني الأنس من اتهامات تجاهكم أيها الجن ، ومن الظن السيئ بكم . آمل قبول اعتذارنا ، فأنتم إخواننا أيها الجن في العبودية فكلنا عباد الله ، أعني المسلمين منكم . الله أسأل لنا ولإخوننا الجن الإعانة والسداد وإلى اللقاء .. كتبه فهد بن سليمان التويجري مدير إدارة الأوقاف والمساجد والدعوة والإرشاد بمحافظة المجمعة