لا يمكن لمن يخوض بنفسه غمار التعليم أو يتواصل معه عبر بَنيه في مختلف المراحل إلا أن يتوجس ألما من حال التعليم لدينا، وإذا كنت أطالب بفصل التعليم عن التربية، فذلك لأنني لا أتصور أن التربية إلا جزءا مشتركا من حياتنا ومن تنشئتنا ومن بيئتنا ومن أسرنا وبيوتنا ومساجدنا التي ولدنا فيها وترعرعنا في أحضانها فلا يمكن تقسيمه أولا، ولا يمكن تحميل جهة وزارية أغلاطه لوحدها فقط، فجميع سلوكياتنا التي نشاهدها أو نسمعها أو نقر بها في صدورنا أو نعملها عادة دون قصد أصبحت دليلا واضحا على سوء التربية، ويكفي شاهدا واحدا وهو قيادة السيارة لدينا لنعرف مدى ذلك إذا كنا نجهل. فدفاعا عن المعلمين أولا . حيث في كل مرة تشاهد معلماً أو وكيلاً أو مديراً أو مشرفاً يتبادر إلى ذهنك كل خيوط التربية ( المزعومة) التي تجمعهم في شبكة واحدة، وعندها تتساءل لماذا نحن تربويون؟، على حين تجد أنّ بَوناً شاسعاً في واقعك المشاهد في ذلك، تُرى هل يمكن أن نكون حاملين شهادات تربوية فقط دون تطبيق، أم يكفي أنا حين نحملها نطبق ما يمكن ونترك غير ذلك؟. على حين أنّ الوقوف على أساليب التربية وأنماطها ووسائلها ما عاد بالشكل الذي ينبغي أن يكون عليه؛ نظراً لتشعبها واختلافها عبر العصور، وانطوائها على إيقاعات عصرية جديدة ليس بوسع المهتم متابعة، إضافة إلى الواقع المر الذي يحيط بنا سواءً من أزمات متسارعة تبهر المرء فتشق أفكاره عصا الطاعة عليه دون علم منه. هذا التساؤل واقع مرّ؛ نظراً لاختلاف الزمن وتغيّر الحال، والمراقب والمتتبع لأوضاع الطلاب في مدارسنا، يلمح بقوة أثر وسائل الأعلام وطرق الاتصال الجديدة ( الانترنيت)، هذا الواقع يطرح تساؤلاً مهماً كيف يمكن لنا أن نتفاعل مع هذه الوسائل؟ ، وأن نعي بصدق وأمانة أثرها، وسيرورتها في رحاب المجتمع، وأن نتكاشف بكل شفافية آثارها الإيجابية والسلبية، فإذا كان المعلم والوكيل والمرشد والمشرف والمدير يتابعون وسائل الإعلام ويغزون مواقع الانترنيت، ويتعاملون معها ، فلا يمكن أن نتجاهل بكل صراحة ووضوح أن الشباب ( الطلاب ) سيكونون كذلك، بل لا شك أنهم سيدركون ما لا ندرك منها؛ نظراً لقلة أعمالهم وكفالتهم من قبل آبائهم ، وتخطيهم حواجز المراقبة من قبل ذويهم ، واختلاطهم مع غيرهم من أقرانهم وتوفر وسائل المواصلات والترفيه بالشكل الذي لا يخفى على عاقل . من وجهة نظري أنّ إغلاق هذه المنافذ لن يكون بالأمر السهل أو البسيط ، ولكن لو وضعنا أمرين مهمين أمامنا : الأول / التربية الواضحة المبنية على الصدق والمصارحة، وأن نجعل أبناءنا أصدقاء لنا من خلال الدخول معهم في عالمهم الجديد وتقريب عالمنا لهم ، مع التوجيه الأفضل لذلك دون الوقوف عند إصدار الأوامر والنواهي التي لن تكون سوى وقتية فقط، ولا تمر إلى حالة الإقناع ثم الاقتناع الدائم الذي سيكون رقيبا ذاتيا في النفس، ويتجاوز إلى سلوك اجتماعي جمعي لا فردي بحكم التأثر والتأثير . الثاني / تسخير هذه الأدوات بما هو إيجابي دون النظر إلى بعض المساوئ التي قد تكون موجودة فيها، وأن نكون أكثر وضوحاً وشفافية معها دون أن نكون أكثر جفاءً من استخدامها أو تناولها . فالبحث في الإنترنيت أصبح أكثر يسرا وسهولة، إذ حضرت المعلومة بشكل أوفر، وسهل الحصول عليها، بل أصبحت بعض مواقع البحث أشبه بالصديق الدائم لدى بعض الشعوب. والقنوات الفضائية بأنواعها وأشكالها أصبحت الصديق الدائم للمتفرد في عيشه الأسوأ دائما أننا مثاليون جدا، نزعم أشياء ونقول أخرى ، ونفعل ضدها دون أي مراجعة أو نظر في ذلك ، و الأوجع بعد ذلك مكابرتنا وصراخنا أننا ملكنا الحق ووصلنا إلى الغاية في كل شيء . والمراجعة أولا تبدأ بخطاب الأب الذي مزق آذاننا بجميل فعله، وأخلاقه المزعومة له !. أحمد اللهيب [email protected]