في عالم يتغير كل ثانية , كل ثانية تمر , دنيا جديدة , افكار جديدة , ومعانٍ جديدة , لم يعد التريث زمناً يعاش , الزمن اصبح اكثر سرعة , بل لم يعد امتلاكه واحتباسه بيد احد , فر الزمن من قبضة الانتظار , لم يعد الانتظار محلاً للنظر, صار بعداً في الخيال , التغيرات والتحولات والمستجدات في كل شؤون الإنسان باتت ضوئية الحضور والمرور , إن لم يتماشى الإنسان مع ضرورات التحول , فاته الزمن ومضت عنه الحياة , الحياة اصبحت لاتنتظر المبطئين وفي مثل هذا الزمن , زمن المتغيرات , صار لزاماً أن نقدم الدين الهادي إلى خير حياة , نقدمه للعالمين بسرعة الزمن وقدرة التحولات , وانزياحات المعاني , صار لابد مما ليس منه بد , الإسلام يستوفي كل التغيرات , وينفتح على كل الجديد , ويقبل كل مايسعد الإنسان وينقذه من مهاو الردى , لهذا كان ومازال الإسلام دين الإنسان الذي يريد عبور حياة الممر بأمان نحو دار المستقر , فالإسلام جاهز لقراءته من جديد , وتجديد امر الدين هو استشراف سيد المرسلين لمستقبل هذا الدين . اننا لم نستوعب بعد حجم التغير والتطور الهائل الذي يحيط بنا وما زال ايقاعنا أشد بطئاً بآلاف المرات من ايقاع الدنيا من حولنا، وهذا الوضع لا خلاص منه إلا بالتخلص منه , بأن يتجدد فينا الاحساس بالزمن من حولنا وان يتجدد الوعي بكل ما يدور لان هذا هو الذي يمثل حجم التحدي ولننطلق بلا مخاوف ولا شكوك نجدد الفكر ونعمق الرؤية بكل ما هو جديد ونطور خطابنا الديني حتى يلقى آذانا صاغية وقلوبا واعية ونمارس الاجتهاد الفقهي في جسارة وثقة، ولنذكر ان البديل الوحيد لهذا هو ان نبقى حيث نحن قانعين بالتبعية والتخلف تمر بنا مواكب الأمم والشعوب تحمل القيادة وتمارس السيادة ونحن نكتفي باعلان السخط والرفض والانكار. وكما يقول ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى ان الفقه كله وان العلم كله والاجتهاد كله في الأمم قديمها وحديثها يتمثل في أمور ثلاثة: معرفة الحق ومعرفة الواقع وتنزيل أحدهما على الآخر، فالحق لا يتغير في قواعده الكلية وفي اطاره العام وفي مقاصده الكبرى ولكن الوقائع التي يتنزل عليها هذا الحق تتغير فتكون النتيجة النهائية متغيرة، ولذلك وجدنا الفقهاء ذوي الاقدام الثابتة في الفقه والعلم يتحدثون عن تغير الفتوى باختلاف الأزمنة والأمكنة والاحوال روى أبو داود والبيهقي والحاكم في مستدركه، من حديث أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها)) إذن، فتجديد الدين مشروع ومأمور به , وهي واحدة من المهام التي يجند الله لها العلماء الربانيين، بعد أن ختمت الرسالات ببعثة خاتم الرسل والأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام, و مما ذكره شراح الحديث أن كلمة ((من)) في قوله عليه الصلاة والسلام: ((من يجدّد لها دينها)) ليست كناية عن شخص واحد تجمعت فيه مزايا الرعاية والتجديد، كما قد ظن البعض، بل هي كناية عن كل العلماء الذين يصطفيهم الله تعالى في كل عصر لحراسة دينه وتجديد الإقبال إليه والإخلاص له , والانفتاح به على تطورات العقل العلمي والمدني . لقد عرف تاريخ الفقه الإسلامي مراحل نمو وازدهار كان فيها الفقه الإسلامي فقهاً اجتهادياً واقعياً حياً يقوم على استنباط الأحكام من أصولها (القرآن والسنة) وصياغتها بما يعالج مجريات الواقع ونوازله، ولكن ظهرت في تاريخ التشريع الإسلامي عوامل كثيرة أثّرت على العقل الفقهي وسلبته في بعض مراحل تاريخه القدرة على تقديم نظام تشريعي يستجيب للمتغيّرات., فقد أحاطت بالفقه الإسلامي في بعض أدواره التاريخية عوامل سياسية واجتماعية وعلمية تضخّم على إثرها فقه العبادات والمعاملات على حساب فقه السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية، كما تغيّرت بفعل تلك العوامل تركيبة المنظومة الفقهية، فأصبح التقليد قاعدة والاجتهاد استثناء، الأمر الذي ترك آثاراً سلبية على العقل الفقهي على مستوى المنهج والإنتاج, أما المنهج فقد استُبدلت بنصوص الشريعة -الكتاب والسنة- نصوص الأئمة المجتهدين في الاستنباط والاستدلال الفقهيين، كما اعتنى الفقهاء بتقرير الأحكام المجردة أكثر من عنايتهم بقواعد تنزيلها على الواقع، فضمرت إلى حدّ ما صلة الفقه بالحياة العامة, أما على مستوى الإنتاج، فقد اشتغل العقل الفقهي بعد توقف حركة الاجتهاد -في الغالب الأعم- بإنتاج تعليمي يتعامل مع المتون، ولا يلتفت إلى قضايا الأمة، وحاجات أبنائها، ومتطلبات وجودها الحضاري. أن القراءة التقليدية للنصوص المقدسة تتبنى الإيمان بواحدية المعنى وثباته، واعتبار كل اختلاف في المعنى قصورا، وتعتبر التفسير الرسمي للنص المقدس هو التأويل الوحيد المطابق للمعنى الأصلي, فلو ان رسالة الاسلام صيغت في شكل بنود ومواد ثابتة لا تقبل التجديد لما كان لعموم الرسالة أي معنى أو مضمون محصل , بل ولفقدت كل مبرراتها في نسخها للشرائع السابقة عليها , اللهم الا اذا افترضنا انها رسالة تتضمن ثوابت فقط من أمور العقيدة والاخلاق وحينئذ يؤول الاسلام الى رسالة روحية لا شأن لها بمعاش الناس وحياتهم ,على ان خطاب القرآن الكريم ب ( يا أيها الناس) هكذا مطلقا لا يستقيم فهمه إلا في اطار صلاحية الخطاب للتجدد مع تجدد الأزمان والأحوال فالتجديد وعموم الرسالة وجهان لعملة واحدة , إن الإسلام رسالة الله إلى اهل الارض العالمين , والمسلمون حملة هذه الرسالة ,فإما أن يكونوا خير سفراء لخير رسالة , وإلا فقد خانوا الامانة . **** عبدالعزيز السويد